سفير العرب في الفضاء، رائد الفضاء السوري "محمد فارس" من مواليد أيار/مايو 1951، في مدينة حلب السورية، التصق اسمه بذاكرتنا منذ الصغر، وسمعنا من أهالينا الكثير عنه وعن فرحتهم به يوم انطلق إلى الفضاء في عام 1987، وكان بذلك ثاني رائد فضاء عربي وأول رائد فضاء سوري.

في مقابلة حصرية لناسا بالعربي،تحدث الفارس عن الكثير المثير عن رحلته الفضائية وجانبها العلمي وأثرها الشخصي عليه، وعن واقع البلاد العربية في مجال الفضاء وعلومه، واخترنا منها لكم هذه الفقرات الغنية.

حول ماذا كانت التجارب التي قمتَ بها في الفضاء؟ وما هي أهم النتائج؟


"في الفضاء الخارجي، قمتُ بإجراء 13 تجربة علميَّة، منها 7 تجارب طبية وأهمها التالي: تأثير الفضاء الخارجي على عمل القلب في الراحة و النشاط الجسدي.

تأثير الفضاء على ردود أفعال الإنسان. تأثير الفضاء على العينينِ والرؤية وحاسة البصر. حملتُ جهاز مونيتور Monitor لمراقبة القلب لمدة 48 ساعة.

قمنا بتجربة أسميناها "تجربة بُصرى" لدراسة الغلاف الأيوني على ارتفاع 300 كم من الأرض، ودراسة التفاعلات الغازية الموجودة في هذا الغلاف واستخدم لهذا الغرض جهاز علمي صُنع في سوريا وحملناه معنا خلال رحلتنا إلى المركبة الفضائية مير.

تجربة أخرى أسميناها "تجربة قاسيون"، قمنا فيها بخلط الحديد والألمنيوم بعد صهرهم للحصول على سبيكة بمواصفات جديدة، وكذلك خلط مادة الغاليوم والانتيموان بعد صهرهم أيضًا للحصول على موصلات إلكترونية يمكن الاستفادة منها في الصناعات التقنية.

بالإضافة إلى خلط مادة الهيدروكسيد أباتيت مع نسبٍ مختلفةٍ من الماء والأملاح للحصول على مادة تفيد في صناعة المنظفات وبدائل الأسنان.

فترات تصوير فضائي للأرض وتحديدًا لسوريا وتضاريسها من الأعلى. دراسة التلوث المائي والجوي. دراسة حوض مسكنة وما فيه من ملوحة.

دراسة الانهدام العربي الأفريقي الممتد من شمال سوريا إلى حوض البحر الأحمر جنوبًا.

هذا قسم من التجارب بشكل مختصر، وقد نُفِّذت بنجاح وكانت النتائج إيجابية بشكل كامل، وقد وُضعت في مراكز البحوث العلمية ليتمكن كل مختص من الاطلاع عليها ودراستها والاستفادة منها".

أنت ثاني رائد فضاء عربي والوحيد الذي زار محطة مير الفضائية وقمت بتجارب علمية متنوعة بالإضافة لفترات التصوير العديدة، بعد تلك الأيام الثمانية، هل كنت تتمنى أن يطول بك الوقت هناك؟ ولو تحقق لك ذلك ما الذي كنت تودّ أن تفعله أيضًا؟

"بالرغم من أن حياة الفضاء قاسية وصعبة، لكنها ممتعة بقدر صعوبتها. حيثُ إن الرحلات الفضائية وتجاربها لا يقوم بها رائد الفضاء من تلقاء نفسه، بل تكون مبرمجة بدقة ولا وجود للعشوائية فيها.

وبالطبع كنت أتمنى أن تطول الرحلة أكثر لأقوم بتجارب أكثر وأقدّم الفائدة لبلدي أكثر ولأستمتع بمغامرة الفضاء وصعوباتها وتجربة الحياة هناك".

رائد الفضاء السوري محمد فارس.. تجربة واحدة وحكايات لا تُعد

ما رأيك بالمحاولات العربية حاليًا لدخول مجال الفضاء؟ كمحاولة الإمارات عن طريق إنشاء وكالة الإمارات للفضاء، خاصةً بعد انطلاقها انطلاقة موفقة بإطلاق قمرها الصناعي الأول؟

"نعم يوجد في الوطن العربي أخصائيون في تكنولوجيا الفضاء، وهناك الكثير من المحاولات العربية سواء في الإمارات أو الجزائر أو مصر لإطلاق أقمار صناعية.

وهذا أمر جيد بالطّبع، ولكن الأهم هو تصنيع القمر الصناعي في ذلك البلد وتصنيع أداة الإطلاق، أي الصاروخ الحامل للقمر الصناعي الذي سيحمله لمداره في الفضاء الخارجي، فهذا الجانب هو العلم الحقيقي وللأسف حتى الآن لم تصل أي دولة عربية لهذا المستوى.

ما هي أكبر التحديات التي تواجه الوطن العربي حاليًا وتمنع بعض دوله إن لم يكن جميعها عن الخوض في مجال الفضاء وعلومه؟ هل هو العائق المادي والتكاليف الباهضة؟ أم الاهتمام بالمجال؟ أو ربما الخبرات هي الأساس؟

"إذا تحدثنا على مستوى الوطن العربي، ففي الوطن العربي يوجد أخصائيون وأكفاء ذوو مستوى عالٍ في مجالات العلوم الفضائية كافة، ومنذ نحو 25 سنة، اجتمعتُ مع بعض من هؤلاء الأخصائيين في الأردن وشكلنا "وكالة الفضاء العربية" ولكن للأسف لم يرَ هذا المشروع النور.

لم يكن العائق المادي ولا ضعف الخبرات هو السبب، وإنما إهمال الجهات العربية المسؤولة له والتي علي عاتقها كانت تقع عملية دعم هذا المشروع حتى يصبح حقيقة".

رائد الفضاء السوري محمد فارس.. تجربة واحدة وحكايات لا تُعد

إلى أي مدى يُعتبر دعم الدول الكبيرة لأي مشروع علمي في دولة نامية فاعلًا؟ هل ستستفيد هذه الدول الصغيرة من هذا الدعم وتخطي خطوات جادة في مجال العلم والفضاء؟ أم أن الفضاء سيظل حكرًا على الدول المتقدمة والعملاقة صناعيًا وعِلميًا؟

"عند الإرادة تتحقق المعجزات، نحن علينا أن نبدأ بخطوتنا الأولى في مشوار الألف ميل.

نحن إن مَلكنا هذه الإرادة -في أي مجال كان- لا نسأل عن تأثير الدول الكبرى. وأطلب من الدول العربية وكل دول العالم الثالث كما يسمونها أن تخصص جزءاً ولو صغيرًا من ميزانيتها من أجل تطوير علوم الفضاء والفلك لأن هذه العلوم الآن تسيطر على الأرض بشكل كامل ولا يتّسع المجال لنتحدث كيف.

حتى حبة القمح تُستنبت الآن في الفضاء الخارجي. لقد أصبحت اليوم أرضنا كغرفة في قاعة كبيرة، وإن أردنا أن نغلق الفضاء فلن نتمكن من العيش على الأرض.

وحقًّا علينا الاهتمام بعلوم الفضاء لأن المستقبل سيكون فقط لهذه العلوم".

لا شك بأنَّ رحلتك إلى الفضاء هي من أكبر الأحداث في حياتك، ولكن ما الأمور التي علقت في ذاكرتك من هذه التجربة؟ شاركنا ذلك إن أمكن.

"بالتأكيد، إن جُل الرحلة عالقٌ بذهني لأنها وبالنسبة لي كإنسان، هي حدث لا يعيشه إلا القلة القليلة من الناس، وطبيعة الحياة هناك تختلف كليًا عنها في الأرض، الأكل والشرب والنوم وكل شيء.

ولكن أجمل ما علق بذاكرتي كان منظر كوكب الأرض من الفضاء الخارجي؛ جميع رُواد الفضاء يشعرون أن الأرض هي أم الإنسان والإنسانية جمعاء.

رأينا الأرض جميلة ورائعة رغم أن الفضاء مظلم، والحياة فيه صعبة وقاسية حقًا يكفي أن نطير متحررين من الجاذبية بسرعة 28,000 كم/سا.

من هناك لم أرَ حدودًا بين الدُول، كانت الأرض عبارة عن غرفة واحدة.

وعندما هبطنا، شعرت أنني هبطت في حضن أمي، لم يهم أننا هبطنا في كازاخستان، بل كنا في حضن أمِّنا.

علينا أن نحافظ على أمنا الأرض، فهي حقًا أجمل ما في هذا الكون، الفضاء معتم ومرعب وأرضنا كانت كالنبتة في الصحراء.

أذكر أيضًا أنّه في الفضاء تكون الصداقة متينة،نستطيع أن نقول أن الفضاء يوحّد البشرية ويُذكرنا أننا على الأرض عائلة واحدة، لكننا للأسف نعمل على تدمير بيتنا الأرض بالقنابل الذرية والصواريخ ومختلف الوسائل.

إن رائد الفضاء يشعر بالإنسانية اللامتناهية هناك في الفضاء البعيد".

المصدر:ناسا العربي 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]