حمل الأسبوع الماضي آمالاً كبيرة للفلسطينيين بإنهاء الانقسام وبناء وحدة وطنية حقيقية، على قاعدة أن التناقض الأساسي كان وما زال مع الاحتلال، وأن قلب المفاهيم يصب أساساً في صالح إسرائيل.

سنوات عجاف عاشها الشعب الفلسطيني بكل مكوّناته، كان بالإمكان الاستغناء عنها لو تمكنا جميعاً من فهم فن السياسة وكيفية التعامل مع الأحداث.

بعد الانقلاب، اعتقدت حركة حماس أنها قادرة على إدارة قطاع غزة، وأنه يمكن نسج تحالفات خارجية جديدة تمكّن حالة الأمر الواقع.. وربما اعتقد بعض قادة حماس أن إقامة الدولة الإسلامية إذا صحّ التعبير أصبح باليد.

ولكن بعد عقد من الزمن، جاءت النتائج كارثية على جميع المستويات بدءاً من الحصار المشدد على قطاع غزة، وشل حركة المواطنين، وفرض حالة من التجويع والفقر والبطالة بشكل غير مسبوق. وعلى الرغم من محاولة حماس السيطرة على هذا الوضع.. فإنه في النهاية تبين أن الأمور تزداد سوءاً وأن الجماهير لم تعد قادرة على التحمُّل أكثر.

في فترة الانقسام شنت ثلاث حروب على القطاع، تسببت بدمار هائل في البنى التحتية التي استثمر فيها على مدار عشرات السنوات. والأخطر من ذلك هو العدد الكبير من الشهداء وأضعافهم من المصابين والمعاقين، بحيث إن نسبة الإعاقة في قطاع غزة أصبحت ربما الأعلى في العالم، كما هي الكثافة السكانية فيه هي الأعلى في العالم.

لا شكّ في أن «الانقلاب» السياسي في تفكير حركة حماس ومواقفها أعطى دفعةً حقيقيةً للمصالحة، وفتح ثغرة كبيرة في جدار الممانعة والمماطلة التي استمرت سنوات طويلة.

وهنا لا بد من تسجيل نقطة إيجابية لزعيم حركة حماس الجديد يحيى السنوار، الذي أظهر براغماتية كبيرة جداً وغير مسبوقة وقدرة على فرض القرار الإيجابي.

كثيرون صوّروا السنوار على أنه «آلة أمنية»، ناقلين كثيراً من القصص القديمة التي أظهرت الزعيم الجديد لحماس على غير ما هو عليه اليوم.

ربما تمكن السنوار من فهم اللعبة السياسية، ولهذا تصرف كقائد سياسي وليس كمفتٍ دينيٍّ. وربما فاجأت مواقفه الأطراف جميعاً بما فيها السلطة الوطنية والحكومة المصرية، لأن هذا الرجل استطاع أن يفرض حالة غير مسبوقة، وأن يلعب بالأوراق السياسية بعيداً عن حركة الإخوان المسلمين. وربما أقرب إلى الحالة الوطنية منها إلى الجمود الديني.

ولا غرابة في ذلك عندما نشاهد هذا التغيّر الدراماتيكي في سياسة حماس، وخاصة في العلاقة مع مصر، سواء من خلال إعادة فرض قيود صارمة وجدية على منطقة الحدود في رفح والأنفاق، أو كيفية التعامل مع القيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والابتعاد أكثر عن حركة الإخوان المسلمين وبعدها الدولي.

الدلالة الكبرى في التغيير ما شاهدناه من صور كبيرة عُلِّقت على اللوحات الإعلانية وفي المفترقات بغزة للرئيس السيسي الذي كان قبل أسابيع محدودة يعتبر مجرماً وخائناً عند الكثير من قيادات حماس.

إذن، حسناً ما فعلته الحركة بهذا الاختراق السياسي وهذه البداية الجيدة للمصالحة.

لكن نحن ما زلنا في الخطوة الأولى، وربما يكمن الشيطان في التفاصيل.

اجتماع القاهرة، الثلاثاء المقبل، هو حلقة رئيسة في عملية المصالحة وهناك كثير من الإشكاليات والمطبّات التي يجب على الجميع أن يبذل جهداً وطنياً حقيقياً لتجاوزها على قاعدة الشراكة الفعلية والحقوق المتساوية للجميع.

الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في مصير الشعب الفلسطيني وقضيته. وإذا ما أنجزت المصالحة الحقيقية وحلّت المشاكل الصعبة وتمكنا من إقامة وحدة وطنية حقيقية في مواجهة الاحتلال، فسنتمكن حينها من فرض إرادتنا الوطنية على أي حلول أو صفقات لا تلبي الحدّ الأدنى من التطلعات الفلسطينية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]