مع بداية العقد الحالي، كان من الممكن أن تتغير خريطة المنطقة تغيراً كبيراً لو نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه آنذاك ايهود باراك في شن حرب على إيران، كان القرار السياسي جاهزاً لولا أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك غابي اشكنازي ورئيس الموساد حينذاك مئير داغان عارضا القرار وربما سربا ذلك إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية لإفشال خطة الحرب التي كانت تهدف أساساً إلى تلميع صورة نتنياهو أكثر منها حاجة دفاعية أو أمنية إسرائيلية، منذ ذلك الوقت ونتنياهو يسعى إلى الإمساك بقرار الحرب بذريعة عدم التسريب، وإزاحة الحكومة وربما لصرف الكابينيت عن مسؤولية اتخاذ مثل هذا القرار.

وبالفعل تم طرح مشروع القرار على الحكومة وتمت المصادقة عليه، وبحيث يعرض على الكنيست للتصويت عليه وإقراره في بداية الدورة الشتوية القادمة للكنيست، ويتضمن مشروع القرار، تخويلاً مسبقاً من قبل الحكومة، بشن عملية عسكرية كبيرة أو حرب شاملة، دون الحاجة إلى عرضه على الحكومة أو مصادقتها عليه بحضور نصف الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري المصغر ـ الكابينيت ـ على الأقل.

من الملاحظ هنا، أن قرار نتنياهو ووزيرة القضاء ايليت شكيد، بتقديم مذكرة مشروع القانون للتصويت عليه من قبل الكنيست، جاء أثناء مغادرة نتنياهو للمكسيك في نهاية زيارته إلى أميركا اللاتينية وبالتزامن مع انتهاء التدريبات العسكرية الأضخم على حدود لبنان الجنوبية يوم الخميس الماضي، الأمر الذي يعطي عملية توقيت التوجه إلى الكنيست لإقرار مشروع القرار بعداً بالغ الأهمية، خاصة إذا ما أضفنا إلى ما يواجهه نتنياهو من أزمات ذات أبعاد جنائية وتحقيقات بالفساد وسوء الائتمان وغيرها من الاتهامات، الأمر الذي دفع بالعديد من المحللين السياسيين إلى القول بإمكانية أن يفجر رئيس الحكومة الأوضاع ويصدِّر الأزمات المتعلقة به، نحو إشعال حرب على الجبهة الشمالية أو الجنوبية أو مع إيران أو مع كل الجبهات، سواء من خلال عدوان كبير أو حرب شاملة، فالأمر سيبقى من صلاحيات رئيس الحكومة أو الكابينيت بحضور نصف أعضائه على الأقل!

وإذا أخذنا بالاعتبار ما انتهت إليه لجنة التحقيق الإسرائيلية حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة برئاسة القاضي المتقاعد، يوسف شابيرا، للاحظنا جملة من التعارضات أثناء مجرى الحرب بين المستويات السياسية فيما بينها، وبينها وبين المستويات الأمنية بشكل عام، الساسة يندفعون إلى التهور خدمة لأهدافهم، بينما المستوى الأمني كان أكثر تمسكاً بالمعطيات الأمنية والعسكرية وشكّل رادعاً في أحيان كثيرة لهذا التهور، من هنا يمكن فهم ما أثير مؤخراً حول خلافات حادة بين نتنياهو وقادة أجهزته الأمنية، خاصة إذا ما كانت الحرب التي ينوي رئيس الحكومة الإسرائيلية تفجيرها ستقع وتشن على قطاع غزة، مشروع القرار المشار اليه في حال إقراره من قبل الكنيست سيخفف من معارضة المستوى الأمني على اختلاف تشكيلاته ومن التدخل فيه، القرار سيلجم الأجهزة العسكرية والأمنية عن أي اعتراض من الممكن أن يوقف التهور المحتمل من قبل نتنياهو.

هذه الخلافات قد لا يكون لها علاقة مباشرة إلاّ بحدود معينة مع الأوضاع في قطاع غزة، لكنها مع ذلك تشكل علاقة اشتباك بشكل أو بآخر بينها وبين المستويين السياسي والأمني، فقد برزت على ضوء خروج العلاقة مع الفلسطينيين حسب «هآرتس» عن السيطرة، خاصة بعد أحداث المسجد الأقصى، وبروز التناقض الواضح بين نتنياهو وقادة أجهزته الأمنية، ثم تجميد رئيس الحكومة لمخطط بناء آلاف المنازل وترخيص أخرى للفلسطينيين في مدينة قلقيلية رغم أن هذه الخطة حظيت بدعم وتأييد أغلبية وزراء الكابينيت، كشكل من أشكال ما تطلق عليه إسرائيل «السلام الاقتصادي» وتخوفاً من انفجار الأوضاع وانطلاق انتفاضة جديدة، خاصة بعد وقف التنسيق الأمني من قبل الجانب الفلسطيني إثر أحداث المسجد الأقصى، والذي يتحمل مسؤولية السياسة الرعناء التي اتخذها رئيس الحكومة.

كان بإمكان نتنياهو معالجة مسألة «التسريبات» التي اتخذها لتبرير الإمساك بقرار الحرب بوسائل أخرى، لولا أنه يريد أن يشن حرباً لمصلحته الخاصة!

المصدر: الايام 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]