لستُ مواطناً عربيا من سكان دولة اسرائيل ، بل انني مواطن يهودي ، وبصفتي هذه ، فان لرأيي أثراً محدوداً على رؤيتي لدرب القائمة المشتركة . واكثر من ذلك ، فلسْت من أنصار اسداء النصائح والمواعظ من الخارج عن الأخلاق والسلوكيات في أي مجال ، ولذا فأنني لستً من أنصار محاولات اسرائيل بأن تُملي للفلسطينيين سلوكهم وتصرفهم . في المفاوضات يتعين على الإسرائيليين ان يهتموا بالسلوك والتصرفات في الجانب الاسرائيلي ، وعلى الفلسطينيين ان يهتموا بالسلوك والتصرفات في الجانب الفلسطيني . 

ولذا فانني لا استطيع ، ولا أرغب في أن أقترح على المواطنين العرب كيف يتصرفون بشكل صائب وسليم في إطارهم الحزبي . وبالمقابل ، وبصفتي رئيساً لحركة مدنية سياسية اسمها "دركينو" (" طريقنا")تسعى إلى إحداث صحوة لدى الأغلبية المعتدلة في اسرائيل ، على جانبي خط الوسط السياسي ، وهي أغلبية تؤيد الانفصال عن الفلسطينيين بغية التوصل الى تسوية سياسية بين دولتين ، من أجل ان تصبح اسرائيل دولة قومية يهودية ديمقراطية لجميع مواطنيها – اليهود والعرب وغيرهم ، فان لديّ وجهة نظر تتعلق بالدور الحاسم لحزب عربي من اجل اقامة حكومة تكون تلك المبادئ – مبادئها الاساسية. بودي ، عملياً ، أن أطرح وجهة نظري أمام القارئ لكوني شريكاً مدنياً لأقلية عربية متساوية بالحقوق في دولة اسرائيل ، انطلاقاً من كوننا جمعياً نبحث عن الحل الذي يتيح التوصل الى تسوية باقامة دولتين ، والى عيش آمن ومتكافئ في اسرائيل.

أفكار " الترانسفير" ...

ان البحث عن الاغلبية المعتدلة في اسرائيل ، يتمحور حول العثور على أولئك الناس المستعدين للتحدث والاصغاء لمن يخالفونهم بالرأي ، وايجاد هوامش التوافق والاتفاق ، حتى لو كانت مساحتها أقل من 50 % ، والتحاور في نطاقها . ان توحيد المواطنين المعتدلين من جانبي خط الوسط ، يتوازى ويتطابق مع انقسام وتقسيم السكان في مجالات مختلفة . ويجوز ان يكون الانقسام بين يهود ذوي وجهة نظر يمينية ويسارية من ناحية سياسية ، أو بين مواطنين يهود وعرب ، وبين مواطنين متدينين وعلمانيين ، وبين فئات اقتصادية من أغنياء وفقراء ، وما الى ذلك . وفيما يخص العلاقة بين اليهود والعرب مواطني دولة اسرائيل ، فان الأغلبية المعتدلة هي تلك التي تتقبّل دولة ديمقراطية ومتساوية ، هي دولة القومية اليهودية دون أن يخرق " طابعها اليهودي" " بشيء " طابعها ديمقراطي " . هنالك مجموعات متطرفة لدى الجانبينْ تنتمي الى غالبية من هذا النوع – في الجانب اليهودي (توجد) افكار مختلفة تدعو الى " الترانسفير" ، وقانون للقومية يغلب " اليهودية" على الديمقراطية ، وهي افكار لا يمكن لاي مواطن عربي معتدل ، مهما كان مقدار اعتداله – أن يقبل بها . في الجانب العربي يوجد متطرفون يفضّلون دولة واحدة ثنائية القومية ذات أغلبية عربية ، تكون في قادم الأيام ديمقراطية ، لكن ليست دولة قومية لليهود. ولا توجد غالبية يهودية تؤيد هذا الهدف . ولذا ، فعندما نرغب في التوفيق بين المصالح المعتدلة التي يمكن بواسطتها التوصل إلى إجماع بالآراء وتوحيد الافكار – يجب حصر هذا الأمر واقتصاره على نضال عنيد من أجل دولة ديمقراطية ومتساوية ، لكن أيضا من أجل دولة تضمن حدودها الثابتة المقررة – غالبية يهودية .

جبران خليل جبران

ان المتطرفين في الجانبين هم عملياً سوداويون سلبيون ، وقد قال عنهم جبران خليل جبران في كتابه " النبي ": " ماذا أقول في أمثال هؤلاء ؟ انهم كجميع الناس يقفون في أشعة الشمس ولكنهم يولون الشمس ظهورهم ، فهم لا ينظرون سوى ظلالهم ، وظلالهم عند التحقيق شرائعهم المقدسة . وما الشمس في نظرهم سوى مصدر جميع الظلال"! يمكننا سويةً ان نضمن رؤية نور الشمس وليس ظلالها فقط.

ان الضجة الحاصلة الان داخل القائمة المشتركة الوحدوية، يُنظَر اليها من الخارج كصراع بين الجانب المعتدل الذي يصبو الى بناء اسرائيل ديمقراطية ومتساوية ، لكنه متفق مع هدف الغالبية اليهودية في اسرائيل ، المؤيدة لدولة فلسطينية – وبين الجانب الاخر الذي يؤمن بالنظال الوطني ، بل حتى بالنضال القومي المتطرف كهدف أسمى من المساواة والتحسين الجذري الجوهري لمستوى المعيشة ، والتعليم ، والاندماج بالابداع والاستفادة من ثماره ، والاحترام التام للثقافة الدينية والتراث العربي.

ان العمل المشترك بين مواطنين عرب ويهود معتدلين ، ممّن هدفهم اقامة دولتين وطنيّتين متجاورتين – كفيل بتحقيق هدفين هامين : الاول هو الأمن والاستقرار اللذان يجلبهما الاتفاق بين الدولتين ، والثاني هو حل مشكلة المواطنين العرب الذين يُنظر اليهم على أنهم " طابور خامس" طالما ان اخوتهم الفلسطينيين يُعَتبرون أعداء.

العرب في اسرائيل يستطيعون ويتعيّن عليهم ان يكونوا ذلك الجسر الرابط بين اسرائيل وفلسطين . في استطلاع واسع للرأي أًجري في اسرائيل وفي أراضي السلطة الفلسطينية ، تبين لدى اليهود في إسرائيل ان 80 % من الإسرائيليين يريدون السلام ، لكن 30 % من الفلسطينيين فقط يريدونه ، بينما اعتقد العرب في أراضي السلطة الفلسطينية عكس ذلك ، أي ان 80 % من الفلسطينيين يريدون السلام ، بينما 30 % فقط من الإسرائيليين يريدونه . المواطنون العرب في اسرائيل كانوا الوحيدين الذين يعتقدون بأن 80 % في الطرفين ، الإسرائيلي والفلسطيني ، يريدون السلام . هذا نموذج لمكانة العرب في اسرائيل كجسر محتمل. وهنا اقتبس مجدداً ما يقوله لنا جبران خليل جبران في قصيدته بعنوان " الثعلب" ، أنه يتوجب علينا أن نبقى مثلما نحن – مختلفين عن بعضنا البعض ، وأقوياء كلُّ في موقعه ومكانه ، وهكذا فقط ندعم وحدتنا: " قفوا معاً ، ولكن لا يقرب احدكم من الاخر كثيراً ، لان عمودي الهيكل يقفان منفصلين ".

ان الوحدة المعتدلة داخل حزب عربي مشترك ، والتي يمكن ان تستفيد اكثر مما هو حاصل الان من الطاقات الكامنة لدى الناخبين العرب ، فتحقق لنفسها (15) أو (18) مقعداً توحّد قواها مع الاحزاب اليهودية المعتدلة – (هذه الوحدة) هي بمثابة الهدية الاكبر التي يستطيع الناخبون العرب اهداءها لنا جمعياً – نحن المواطنين المعتدلين ، عرباً ويهود.

• ( كاتب المقال ، كوبي (يعقوف) رختر ، هو طيار سابق في سلاح الجو الاسرائيلي ، برتبة عقيد (متقاعد) ، وهو رجل أعمال مبادر في مجال تقنيات الأجهزة الطبية ويرئس جمعية سلامية ضمن منظمات المجتمع المدني هي " دركينو" (" طريقنا")

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]