الأردن .. حوار التاريخ والجغرافيا وبينهما رحلة سياحة (1)

لا آبار نفط في الأردن ولا غاز(حتى الآن) لكنه غني بطيبة ،شهامة وكرم أهله، بإرث حضاري عريق وبطبيعة متنوعة تشمل إثنتين من عجائب الدنيا وتشهد مسيرة تطور لافت في مرافقها السياحية. عدت من هناك هذا الأسبوع ربما للمرة العشرين واستمتعت مجددا بما تقدمه هذه المملكة الواحة الآمنة المستقرة رغم القلاقل المحيطة بها من كافة الجهات. لا شك أن استمرار تطوير المرافق السياحية ومواكبتها بحملة علاقات عامة في العالم سيجعل المملكة واحدة من أهم نقاط الجذب السياحي في العالم عندما تهدأ الأوضاع السياسية في المنطقة وذلك لأن المملكة تتمتع فعلا بالكثير مما تقدمه وقلما نجده في أماكن أخرى.

قلعة الربض في عجلون

في شمال البلاد تنتشر مجموعة من مواقع الجذب الطبيعية والتاريخية من أبرزها قلعة عجلون المعروفة بقلعة الربض المبنية في العصر الأيوبي لحماية طرق القوافل ومواجهة الصليبيين وهي محاطة بغابات تغطي سلسلة جبلية تبدو معا كاللوحة الخضراء في عز الصيف. القلعة القائمة على قمة جبل ومنها تشاهد أحيانا جبل الشيخ السوري مبنية على الطراز المعماري الإسلامي وتشمل الكثير من مباني العقد والأنبوب. وقريبا منها يقع موقع عنجرة للحج المسيحي وفيه كنيسة سيدة الجبل وهي تذكّر بأن الأردن أيضا كانت مهدا للمسيحية وقد وردت عنجرة القديمة في الإنجيل حيث مر السيد المسيح ووالدته العذراء من هناك.

البتراء .. حلاوة الحوار بين الإنسان والطبيعة

في جنوب الأردن تروي الطبيعة عظمتها، هيبتها وقسوتها بصحار وجبال عملاقة موحية ومناخ متطرف متقلب بين ليل ونهار لا بين فصلين فحسب. لكن الإنسان بإرادته الصخرية، عقله، صبره وأنامله عرف كيف يطوع عنادها ويحول قسوتها لتحف فنية أجملها أو أعظمها البتراء عاصمة الأنباط. هناك تتجلى عظمة الطبيعة وعظمة الإنسان الذي عرف كيف يحفر آبار الماء وقنواته ليؤمن الحياة أمام الجفاف وتمكن من تحويل الجبل الأصم لسلسلة منحوتات تتكلم دون لسان تبلغ ذروة الدهشة قبالتها في الخزنة الوردية اللون.

مادبا قطعة من فسيفساء

تعتبر مادبا درة تاج اللوحات الفسيفسائية المدهشة في الأردن وفيها لوحة عملاقة تغطي أرضية كنيسة القديس جورج من العهد البيزنطي تعود للقرن السادس. هذه اللوحة الفريدة خريطة في غاية الأهمية للمواقع الجغرافية في المنطقة من النيل إلى الفرات فيها كتابات باللغة اليونانية القديمة(الهيلينية) مكونة من مليوني حجر صغير متعددة الألوان والأشكال وهي حتى اليوم وثيقة ومصدر تاريخي يستعين بها الباحثون والمؤرخون والجغرافيون. بل أنها ساعدت المصريين في كسب القضية ضد إسرائيل في لاهاي بعد خلاف على طابا بعد كامب ديفد فالخريطة تظهر أن طابا تقع بالقسم المصري من خليج العقبة. رحل البيزنطيون بعد الفتوحات العربية/ الإسلامية في مطلع القرن السابع لكن أهالي مادبا توارثوا حرفة بناء اللوحات الفسيفسائية( الموزاييك). تقع مادبا على بعد 33 كيلومتر من عمان (جنوب غرب)،53 كم عن القدس و 200 كم عن دمشق.

وهي سابع مدينة في الأردن توالت عليها حضارات كثيرة لهدما أسسها المؤابيون بالتزامن مع فترة خروج بني إسرائيل من سيناء لكن بصمة البيزنطيين بقيت الأبرز.هنالك عدة تفسيرات للتسمية وربما الكلمة سريانية وتعني مكان الطين أو المياه الهادئة وهناك من يعتبرها آرامية وتعني مياه الفاكهة وهناك من يقول إنها مؤابية وتعني مياه الراحة. بين هذه وتلك يبدو أن التسميات مرتبطة بوفرة مياهها.

في مادبا المعهيد الوحيد في العالم لتعليم بناء الموزاييك وفيه يدرس مئات الطلاب من ايطاليا والعالم هذه الحرفة الفنية النادرة على يد حرفيين أردنيين محليين. وفي مادبا هناك كنائس بيزنطية كثيرة جدا وكافتها تزدان بلوحات الموزاييك التي تترك أثرا لا يمحى في ذاكرة الزائرين وتعكس هذه الوفرة الرخاء الاقتصادي. وقد زار مادبا ثلاثة من بابوات الفاتيكان آخرهم البابا فرنسيس في 2014.

وداخل متاحف مادبا ومتنزهها الأثري تجد آثار هذه الكنائس وفي الطريق لهناك تمر عبر شوارع مليئة بالأسواق التراثية التي تقدم ملابس،أدوات فنية ومنزلية وحلي واكسسوارات تراثية نادرة. وقد وفد للمدينة لاجئون على التوالي من فلسطين،سوريا والعراق.
يتبع

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]