هل تشبه تجربته تجربة وصول ترامب إلى الحكم.. كرجل أعمال أكثر من كونه سياسياً؟ أم تشبه أكثر وصول ماكرون إلى الأليزيه في باريس كدخيل جديد إلى عالم السياسة؟ بين التجربتين يبدو وصول آفي غباي إلى رئاسة حزب العمل أكثر إثارة للانطباع كمفاجأة لها انعكاساتها على حزب عتيق خاسر، مع رئيس جديد رابح، رجل «مبدأ» كما قيل، رغم أن الانطباع السائد في سلوك رجال السياسة في إسرائيل لا تجعل من ذلك أمراً مهماً، كون بعضهم تحت طائلة الفساد، اتهاماً أو بأحكام القضاء، لكن هذا الرجل جاء من زاوية أخرى، ذلك أنه بعد أن سعى للوصول إلى أن يكون وزيراً، وهو ابن عائلة من يهود المغرب العربي، نجح في أن يكون وزيراً للبيئة من خلال مشاركته في تأسيس لحزب «كولانو» برئاسة وزير المالية كحلون، لم يمضِ في الوزارة سوى أشهر قليلة، قبل أن يستقيل بإرادته ليس لأي سبب سوى أنه عارض قيام رئيس الحكومة بتعيين ليبرمان وزيراً للحرب بدلاً من بوغي يعلون، الأول ليس له علاقة أو خبرة في المسائل العسكرية والثاني خبير له تجربة وباع طويلان في هذا المجال، لكن ليس لهذا السبب استقال آفي غباي، بل لأن نتنياهو اتخذ هذا القرار من وراء الحكومة وبشكل فردي وبدون مجرد إبلاغ وزراء الحكومة بهذا القرار، الأمر الذي اعتبره غباي إهانة تحط من كرامة كل الوزراء... لهذا استقال غباي من منصبه الرفيع، في وقت يتجاوز فيه نتنياهو كل يوم، وفي كل مناسبة، حكومته ورجالاتها على اختلاف مشاربهم الائتلافية ويتخذ القرارات الفردية من دون أن يجد أية معارضة.

لم تعتقد إلاّ قلة بإمكانية صعود هذا الوافد إلى الحزب قبل ستة أشهر فقط، وهو الذي لم يتمتع بتجربة المناصب التشريعية، ذلك أنه لم ينتخب في الكنيست، ولا يتحلى بأي رتبة عسكرية أو تجربة عسكرية، كما في معظم قيادات حزب العمل ومعظم رؤساء الحكومة في الدولة العبرية، لم يعتقد أحد أن هذه «المؤهلات» قد تدفع بهذا الرجل إلى رئاسة الحزب الأعتق والأكثر خسارة في إسرائيل، لذلك حاول غباي أن يشرح الأمر في خطاب الانتصار، محولاً هذه الشكوك إلى آمال لأعضاء هذا الحزب عندما قال: كل من استبعد أن يصل حزب العمل إلى الحكم، وكل من اعتقد أن مواطني إسرائيل قد فقدوا الأمل في التغيير.. فهذه هي الإجابة «أنا هي الإجابة».. يحاول غباي أن يشكل بوتقة تلتقي عندها مصالح الإسرائيليين بعيداً عن انشقاقات وتصدُّعات المجتمع الإسرائيلي بفضل سياسة نتنياهو كما قال غباي في خطاب النصر، فاتهم رئيس الحكومة بأنه فرق بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، الشرقيين والشكنازيين، اليهود والعرب، دون أن ينسى غباي إثارة قضايا الفساد التي يتم التحقيق حولها مع نتنياهو وأقربائه، وهو الأمر التقليدي في إطار المنازعات والمناكفات السياسية المعهودة على ساحة السياسة الحزبية في الدولة العبرية.

لكن السؤال الأهم والذي ينبغي على غباي الإجابة عنه من خلال سياساته كقائد لحزب العمل هو: هل يستطيع الإطاحة بنتنياهو والانتصار عليه في الانتخابات القادمة؟! ذلك، أن الإطاحة بزعامات الحزب المجرَّبة، هيرتسوغ وعمير بيرتس وآخرين من زعامة الحزب من خلال جولتي الانتخابات الداخلية للحزب، لا تفسر إلاّ كون جمهور الحزب يرى أن هؤلاء ومن خلال التجربة، أعجز من الانتصار على نتنياهو في أية انتخابات قادمة، وأن الرهان على عودة حزب العمل إلى مكانته التي فقدها خلال السنوات الماضية يتطلب دماءً جديدة، يعبر عنها فوز غباي.
من خلال حملة غباي الانتخابية يراهن الزعيم الجديد لحزب العمل على أنه قادر على اجتذاب أعضاء من الليكود الذين كانوا ضد نخبوية حزب العمل، أما بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، فإن غباي يعتبر «يسارياً» ويدعم التوصل إلى حل مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، كما أنه أكثر قرباً من مجتمع الشباب داخل حزب العمل وخارجه، ما يؤهله كما يرى في جمع عدة نقاط لصالح قدرته في أية انتخابات قادمة على الانتصار على نتنياهو من خلال «سلب» أصوات اليمين، والسؤال هنا كيف؟ ... أسئلة أكثر تطرح نفسها يتوجب على غباي الإجابة عنها خلال مسيرة قد تطول أو تقصر... ذلك أن الأمر يعود للمستقبل!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]