ترتدي ثوبها التراثي الفلاحي وغطاء رأسها "الشاشية البيضاء"، تهتف للأسرى بحماس.. وتلقي أشعارها التي تفجرت من قلب معاناة عاشتها، لنصرة الأسرى وقضيتهم العادلة، وتتقدم كل الفعاليات الوطنية.

الأسيرة المحررة خديجة أبو عرقوب (75 عاما)، عاشت الحالة الفلسطينية بكل مراحلها .. عائلتها هجرت عام 48 من قرية مران، وهي من ام حارتين من خرب بلدة دورا الغربية.

تقول أبو عرقوب، "كنا من مُلّاك الأراضي الزراعية وهجرنا من أراضينا قسرا، وانتقلنا الى بلدة دورا جنوب الخليل، والدي رفض كرت اللجوء أو ان نسمى لاجئين... فنحن فلسطينيون وما زلنا نعيش في أراضينا... نشأت في بيت يحب العلم والتعليم ووطني من الطراز الأول"، مشيرة الى أن أباها كان يحمي الثوار والمناضلين ويستضيفهم في بيته بعيدا عن أعين ويد الانتداب البريطاني... كما جندها أبوها في اقناع الناس بعدم النزوح من فلسطين عام 1967م والهرب خوفا من الاحتلال الذي ارتكب المجازر في قراهم التي هجروا منها في عام 1948م.

كما سمحت لها الظروف ان تدرس حتى الصف السادس في مدارس وكالة الغوث في بلدة دورا، ولم تستطع تكميل تعليمها بسبب الظروف المادية وصعوبة الانتقال الى مدارس مدينة الخليل .

وأوضحت أنها تعرضت للاعتقال عدة مرات، كان أولها في عام 1970 اثناء سفرها الى الأردن بتهمة الانتماء الى منظمة التحرير الفلسطينية، بعد اعتقال مجموعة من المناضلين، وأشارت الى انها كانت ناشطة في توزيع مناشير وبيانات المنظمة في تلك الفترة، كما تعرضت للإقامة الجبرية في بيتها في العام 1971م ورغم ذلك كانت تشارك في اعتصامات ومسيرات تقام في مدينة الخليل.

وتابعت: لم يوقفني الاعتقال عن متابعة نشاطي وزادني قوة واعتقلت في عام 71 و73 لمدة ثلاث سنوات بتهمة حيازة ونقل أسلحة للثوار، واعتقلت مرة أخرى في العام 1975، وشدت قسوة الاحتلال اثناء التحقيق معي لنزع اعترافات بمشاركة الثوار في عمليات فدائية، فقد تم الاعتداء علي بالضرب المبرح واقتلاع شعري وتمزيق ملابسي، والحبس الانفرادي وممارسة ضغوط نفسية علي.

وقالت، "حظيت باهتمام الاسيرات المناضلات أمثال غالية سلامة من جباليا وكانت معلمة ومدرسة بحد ذاتها للأسيرات، وفاطمة الحلبي من غزة، ورسمية عودة، وفاطمة برناوي والعديد من الأسيرات..."، مبينة أن فترة الأسر كانت مدرسة وثقافة، تتنوع فيها النشاطات من قراءة كتب ومناقشتها وتعليم الاسيرات الأميات الكتابة والقراءة .. تقول "كنا نقرأ كل أنواع الكتب والقصص الادبية للعديد من الكتاب أمثال احسان عبد القدوس، والطيب الصالح نستمتع بقصصهم وأدبهم، اضافة لكتب غسان كنفاني والعديد من الكتب الادبية العالمية، وكل ما يتمكن الصليب الأحمر من إحضاره من كتب منتقاة ورائعة.

وأوضحت ان عائلتها استقبلتها استقبال الأبطال بعد خروجها من السجن وشدّت من عزيمتها ..

وقالت: "في الأسر كنا نحلم بالحرية والمستقبل .. كان الجسد اسيرا .. أما فكرنا فكان طليقا .. وخارج الأسر عرفت قيمة الانسان والحرية، وكرّست نفسي للوطن ومحاربة الفقر والجهل وقهر الظروف الصعبة .. وتقديم العون ونشر الوعي ومحاربة تسرب الطلاب من المدارس، ومساعدة الطلبة الفقراء وتشجيع العلم".

وأضافت: كنت أزور الاسرى العراقيين واللبنانيين والمصريين المحرومين من زيارة الأهل في سجون الاحتلال، في كثير من الأحيان كان الاحتلال لا يسمح لي بزيارتهم، ولكن لم ايأس وأكرر المحاولة وكنت انجح في المرة الثانية" .

وما زالت أبو عرقوب تتقدم الصفوف في كافة الفعاليات الخاصة بالأسرى، رغم تقدمها بالعمر، وتسعى حاليا للحصول على شهادة الثانوية العامة، التي تمنت كثيرا الحصول عليها في ما مضى من الوقت، "الا ان هموم الحياة وانشغالاتها" حالت دون تمكنها من التفرغ للدراسة، وترى ان الفرصة ما زالت قائمة لحصولها على الثانوية العامة ومتابعتها للتعليم. موضحة من متابعتها للمواد الدراسية، انها سهلة نسبياً، ولكنها تتلقى مساعدة من اصدقائها في مادتي الرياضيات والتكنولوجيا.

نشرت أبو عرقوب العديد من المؤلفات الأدبية والشعرية في الصحف المحلية والمجلات الادبية، والتي تتغنى بنضال الأسرى وحب القدس، والأرض، وعطاء المرأة ومشاركتها في النضال، وهي في صدد إعادة نشرها في كتاب تراثي يحتوي الحياة التراثية الفلسطينية القديمة من أشعار وأهازيج وعادات المجتمع الفلسطيني .

وكرمت أبو عرقوب في كثير من المناسبات، وحصلت على جائزة الشهيد غسان كنفاني عام 1997 في الأدب في ذكرى استشهاده، وأطلق عليها أسرى لقب شاعرة "القيد والملحمة"، والتي اهدته بدورها للشاعر سميح القاسم الذي شجعها على الكتابة وتوثيق كافة مراحل النضال، حسب قولها . 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]