يشكّل المسجد مكانًا جامعًا للمسلمين، يؤدّون فيه الصلوات، ويتشاورون في أمور دينهم ودنياهم. ومع حلول شهر رمضان الكريم، يستقبل المسلمون في كل أصقاع الأرض هذا الشهر بسعادة غامرة، وتبدأ التحضيرات له بدءًا من منتصف شهر شعبان، فترصّع المساجد والشوارع والحارات بالزينة، وتنتشر الفوانيس في هذا الشهر، وتكتظ المساجد بالمؤمنين، ولا سيّما لأداء صلاة العشاء والتراويح والتهجد.

وعملاً بما رواه البخاري، ومسلم، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: «من بنى مسجدًا لله تعالى يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنّة». وكثيرة هي المساجد الجميلة التي بناها المسلمون ولا يزالون يبنونها.


مسجد الشيخ زايد بن سلطان في أبو ظبي

بدأ العمل على تشييد جامع الشيخ زايد الكبير في أواخر تسعينات القرن الماضي، حين وضع الشيخ زايد آل نهيان حجر الأساس له، وافتُتح عام 2007.
يمتد الجامع على مساحة 22412 مترًا مربعًا ويتميّز بقبابه الـ 82، المستوحاة من الفن المعماري المغربي والأندلسي والمصنوعة من الرخام الأبيض.
ويبلغ القطر الخارجي للقبّة الرئيسة 32,8 متر، بينما يبلغ ارتفاعها 70 مترًا من الداخل و85 مترًا من الخارج، وتعتبر الأكبر من نوعها على مستوى العالم.
يتميز الجامع باللون الأبيض حيث استُخدم في بنائه الرخام الأبيض اليوناني الذي يغطي كل الجدران والأعمدة الخارجية، كما حُفرت على الجدران آيات قرآنية وزخارف إسلامية، ويغطي الرخام الزهري اللون والفسيفساء صحن الجامع الذي يمتد على مساحة 17000 متر مربع.
كما تحيط بالجامع أربع مآذن في زواياه الأربع، ويبلغ طول كل واحدة منها حوالى 107 أمتار.
الدخول إلى قلب الجامع يكون عبر الباب الزجاجي الرئيس الذي يبلغ ارتفاعه 12.2 متر وعرضه 7 أمتار، ويزن 2.2 طن، زُخرف بالذهب عيار 24 قيراطًا، وزُيّن بالفسيفساء.
قبل الوصول إلى قاعة الصلاة الرئيسة المخصصة للرجال، يعبر الزائر جناحًا استوحيت فكرته من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجنّة، أقل ما يقال عنها إنها تحفة معمارية فريدة من نوعها. في وسط قاعة الصلاة الرئيسة، تتدلّى ثريا مشغولة من السواروفسكي والذهب، وتعتبر الأكبر في العالم إذ يبلغ قطرها 10 أمتار وتزن 9،8 طن. انبسطت تحتها سجادة تغطي 7 آلاف و119 مترًا مربعًا، شارك في نسجها ما يزيد عن الألف امرأة.
وطُليت منطقة المحراب بالذهب من عيار 24 قيراطًا، وزُخرفت بأوراق ذهبية وزجاج وفسيفساء، وتحتوى القاعة على 96 عمودًا من الرخام مصنوعة يدويًا وغُطيت بأحجار شبه كريمة.
أما جدار القِبلة الذي يبلغ ارتفاعه 23 مترًا وعرضه 50 مترًا فقد تمّ تخطيط أسماء الله الحسنى عليه باستخدام الخط الكوفي مع خلفية مضاءة بألياف بصرية.
أما قاعة مصلّى النساء فهي أقل بساطة وأصغر حجمًا ولكنها تعبّر عن إبداع الفن الإسلامي بكل أناقته وجماله. ومن مصلّى النساء إلى صحن الجامع الخارجي المكسوّة أرضه بالرخام الأبيض الذي تخترقه الزخرفات أيضًا.
واللافت أن هذا الرخام يحفظ البرودة رغم قسوة حرارة شمس أبو ظبي. رُوِعيَ في تصميم أرضية الصحن الخارجي للمسجد أن تكون بنظام بلاط خرساني ضخم محمول على ركائز خرسانية، ومكسوّة بأجود أنواع الرخام المزخرف بتصاميم نباتية ملونة وباستعمال الفسيفساء لتغطية مساحة الصحن بالكامل، والبالغة 17 ألف متر مربع من ضمن أكبر المساحات المكشوفة الموجودة في المساجد في العالم الإسلامي.
وأُحيطت الأروقة الخارجية للمسجد ببحيرات مائية تعكس واجهات المسجد، مما يضيف إليه تميزاً لناحية التصميم، وأرضياتها مكسوّة بالرخام الأبيض مع استعمال رخام أخضر في الممرات التي تؤدي إلى الصحن، كما روعي بأن تكون أعمدة الأروقة الخارجية من الرخام الأبيض المطعّم بالأحجار شبه الكريمة، بالإضافة إلى تاج الأعمدة، والمصمّم بشكل رأس نخلة من الألمنيوم المذهّب.
بالإضافة إلى ذلك، نجد في كل من الزاويتين الشرقية الشمالية والشرقية الجنوبية أماكن للوضوء، مكوّنة من 80 دورة مياه.
عند حلول شهر رمضان المبارك في كل عام، يتحوّل جامع الشيخ زايد الكبير في العاصمة الإماراتية أبو ظبي الى مدرسة دينية وثقافية واجتماعية وخيرية تقدم العديد من الأنشطة لرواد الجامع من مواطنين ومقيمين.
ويستضيف الجامع طوال الشهر الفضيل مجموعة من المشايخ ورجال الدين في العالم الاسلامي لإلقاء محاضرات ضمن مشروع «الذكْر الحكيم»، اضافة الى إمامة المصلّين في الصلوات اليومية، ولا سيما التراويح والقيام، وذلك ضمن مشروع «مصابيح رمضانية».
كما يقدم الجامع ضمن مشروع «ضيوفنا الصائمون» أكثر من 40 ألف وجبة إفطار توزّع يوميًا على الصائمين في خيم مكيّفة نُصبت داخل ساحات الجامع وخارجه، فيما تشارك الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة في خدمة الصائمين والمصلّين في المسجد الذي تنطلق منه فعالية «مدفع رمضان» بصفتها موروثًا اجتماعيًا راسخًا في ذاكرة المجتمع الإماراتي.

جامع القرويين وجامعة القرويين في مدينة فاس المغربية

جامع القرويين، أو مسجد القرويين، هو جامع في مدينة فاس المغربية، تم الشروع في بنائه عام 859 في عهد العاهل الإدريسي يحيى الأول.
ويقال إن أم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوّعت ببنائه وظلت صائمة محتبسة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلّت في المسجد شكراً لله، وقد وهبت كل ما ورثته لبناء المسجد.
وكان أهل المدينة وحكّامها، الذين توالوا على الحكم، يقومون بتوسعة المسجد وترميمه ويهتمون بشؤونه.
وفي عهد الأمراء الزناتيين وبمساعدة أمويي الأندلس، أُضيف إلى الجامع حوالى 3 آلاف متر مربع، وأجرى المرابطون بعدهم تعديلات على المسجد فغيّروا في شكله الذي كان يتّسم بالبساطة في عمارته وزخرفته وبنائه، ولكنهم في الوقت نفسه حافظوا على ملامحه العامّة.
وكان هناك تفنن من جانب المعماريين في صُنع القباب ونصب الأقواس ونقش الآيات القرآنية والأدعية. وأبرز ما تركه المرابطون في المسجد هو المنبر الذي لا يزال قائمًا إلى اليوم. وبعد المرابطين، قام الموحّدون بتثبيت الثريا الكبيرة والتي لا تزال تزيّن المسجد الفاسي إلى اليوم.
سُمّي الجامع بـ«القرويين» نسبة إلى مدينة القيروان التونسية. ولا تزال الصومعة المربّعة الواسعة في المسجد قائمة إلى الآن منذ أيام الأمراء الزناتيين، وتعدّ أقدم منارة مربعة الأضلع في بلاد المغرب العربي.
لمسجد «القرويين» سبعة عشر بابًا وجناحان يلتقيان في طرفي الصحن الذي يتوسط المسجد. كل جناح يحتوي على مكان للوضوء مكسو بالمرمر، وهو تصميم مشابه لتصميم الصحن الأسود في قصر الحمراء في الأندلس.
عرف الجامع المزيد من الاهتمام في مجال المرافق الضرورية فزُيّن بالعديد من الثريات والساعات الشمسية والرملية، وأضيفت إليه مقصورة القاضي والمحراب الواسع وخزانة الكتب والمصاحف.
بعد بناء الجامع، أنشأ العلماء حلقات لهم فيه، وكان يجتمع حولها العديد من طلاب العلم، وبفضل الاهتمام الفائق الذي أولاه حكام المدينة المختلفون للجامع، تحوّلت فاس إلى مركز علمي وثقافي ينافس المراكز العلمية الذائعة الصيت في مدينتي قرطبة وبغداد.
ويُعتقد أن جامع «القرويين» قد انتقل من مرحلة الجامع إلى مرحلة البداية الجامعية في عهد المرابطين، حيث اتخذ الكثير من العلماء المسجد مقرًا لدروسهم.
ووفق النصوص المتوافرة، فإن جامع «القرويين» دخل مرحلة الجامعة الحقيقية في العصر المريني حيث بُني العديد من المدارس حوله وعُزّز الجامع بالكراسي العلمية والخزانات.

جامع السلطان قابوس في مسقط

واحد من أكبر المساجد في العالم الإسلامي، صمّمه المهندس المعماري محمد صالح مكّية بالاشتراك مع كويد ديزاين الذي وقع عليه اختيار الديوان الملكي من بين مئات المهندسين من أنحاء العالم ضمن مسابقة لاختيار أفضل تصميم هندسي. بدأت الأعمال فيه عام 1995 وانتهت عام 2001.
إلى جانب وظيفته الدينية، يعدّ الجامع معلمًا سياحيًا يُسمح بزيارته يوميًا من الثامنة صباحًا حتى الحادية عشرة ظهرًا ويتضمن مكتبة وقاعة محاضرات. يتميز تصميمه باحتوائه على مختلف الفنون المعمارية والجداريات، مثل فن الزليغ المغربي والجداريات المغولية، إلى جانب الممرات والقباب والمنارات والحدائق الواسعة ونوافير المياه.
تتميّز قاعة المصلّى الرئيس في شرق الصحن الغربي بقبّتها التي ترتفع 50 مترًا وتشكّل الأضلاع الرخامية المقوّسة والمعقودة هيكل القبة الكروي المزيّن بالزجاج الملوّن، يلفّه شريط من الزخارف الكتابية تتضمن آيات قرآنية بخط الثلث، إضافة إلى غشاء مخرّم ومتشابك منمّق بخطوط ذهبية، وتظهر من خلال شفافية هيكل القبة الثانية المكسوّة بقشرة من أحجار الفسيفساء الذهبية بأكملها.
تتدلى من وسط القبّة ثريا من الكريستال ترتفع 14 مترًا وبقطر 8 أمتار وتزن 8 أطنان. تتميّز جدران المصلّى بشرفات جاءت على طراز عمارة القلاع العُمَانيّة الخاصة ومسنّنات الشرفات في العمارة الإسلامية عمومًا، فيما يتميّز جدار القبّة بكوّة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة.
فُرشت سجّادة عجمية في المصلّى الداخلي بقطعة واحدة تغطي مساحة 4263 مترًا مربعًا، تشاركت في حياكتها 600 امرأة محترفة في محافظة مشهد الواقعة في شرق ولاية خراسان.
وخلف المصلّى الرئيس يقع مصلّى النساء عبر الصحن الداخلي ليشكّل امتدادًا له، وهو مجهّز بشاشة عرض لمشاهدة خطبة الجمعة والمحاضرات من قاعة المصلّى الرئيسة. يتميّز مصلّى النساء بالزخرفات المصقولة والمنقوشة والمحفورة يدويًا، ويتسع لأكثر من 800 مصلّية.

جامع الزيتونة في تونس

جامع الزيتونة هو المسجد الرئيس في مدينة تونس العتيقة في العاصمة تونس. شُيّد عام 698 بأمر من حسان بن النعمان وأكمل بناءه عبيد الله بن الحبحاب عام 732، ويعتبر ثاني أقدم مسجد في تونس بعد جامع عقبة بن نافع.
من أهم المواد التي شُيّد بها جامع الزيتونة، الحجارة، حيث كانت أكثر العناصر المستعملة سواء في تشييد التيجان أو الأقواس والأعمدة، فضلاً عن الصحن الذي كان مغطّى بألواح مرمريّة كبيرة مأخوذة من معابد رومانية تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وأيضًا الأعمدة رومانية الأصل، في حين تعود التيجان إلى الحقبتين الأندلسية والحفصية، وقد بُنيت الأقواس «حدويّة» الشكّل، أي مشابهة لحدوة الفرس.
يقع الجامع على مساحة 5000 متر مربع، وله تسعة أبواب. تتكون قاعته الداخلية من 184 عمودًا، استُجلبت من الموقع الأثري في قرطاج.
يشبه جامع الزيتونة جامع قرطبة، وجامع عقبة بن نافع في القيروان، بفنائه الخماسي، المحاط برواق من القرن العاشر، يزنّر صحن الجامع الذي يرتكز على أعمدة قديمة، بينما الأروقة الثلاثة الأخرى ترتكز على أعمدة من الرخام الأبيض المستورد من إيطاليا في منتصف القرن التاسع عشر.
ووفق المؤرخين وعلماء الآثار التونسيين، فقد شُيّد الجامع في الأصل على الطّراز الأغلبي، ولكن دخلت عليه تغييرات عدة، وعرف خلال 13 قرنًا محطات كثيرة، فكل دولة حكمت تونس تركت فيه بصمتها، وهو ما يفسّر كل الأنماط الهندسية والزخرفيّة على مدى قرابة ألف سنة.
فقبّة البهو تعود إلى القرن الرابع الهجري، الموافق للقرن العاشر الميلادي، وبُنِيَت وفق نمط جديد دخل إلى تونس في العهد الفاطمي، أمّا في عهد بني خراسان، أي الفترة من أواسط القرن الـ 11 الميلادي إلى أواسط القرن الـ 12 الميلادي، فأُضيفت إليه بوابات كبيرة تفتح على الخارج، فضلاً عن مقصورة الإمام.

تتكوّن قبّة الصحن الموجودة في مدخل قاعة الصلاة، من زخارف من حجر المغرة والطابوق الأحمر.
فيما جاءت المحارب الموجودة في المسجد على الطراز الفاطمي. تغطي قاعة الصلاة مساحة 344 1 مترًا مربعًا، وتحتوي على 160 عمودًا، تتقاطع أمام المحراب الذي تعلوه قبّة مكتوب عليها اسم الخليفة العباسي المستعين بالله.
فيما المنارة المربّعة في الزاوية الشمالية الغربية للفناء، يبلغ طولها 43 مترًا، ومصنوعة من الحجر الجيري على خلفية الحجر الرملي، وهي تشبه زخرفة المنارة الموحديّة في جامع القصبة.
تضم الواجهة الشرقية للمسجد فناء مزخرفًا بأعمدة من الطراز الحفصي. ويتمثل أهم هذه العناصر في بيت صلاة على شكل مربع غير منتظم وبقبّة محرابه المزيّنة بزخارف، إضافة الى زخرفة كامل المساحة الظاهرة بشكل بالغ الدقّة يعتبر النموذج الفريد من نوعه في العمارة الاسلامية في عصورها الأولى.
وتعتبر الصومعة أحد أهم العناصر المكوّنة للجامع، ويرجع تاريخ تشييدها إلى عام 1892 لتعويض المئذنة القديمة، وهي تتميز بنقوش ورسوم إسلامية. وفي المقابل، تطل قبّتا الجامع بزخرفتهما وجماليتهما العابقتين بالتاريخ الإسلامي والعربي القديم.
وجامع الزيتونة هو أيضًا من أوائل الجامعات الإسلامية تخرج فيه عدد من كبار الفقهاء التونسيين والعرب على مرّ العصور، منهم المؤرخ ابن خلدون، وأبو القاسم الشابي.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]