لم يعتد المواطنون الإيرانيون منذ سنين طويلة على سماع أصوات الرصاص الحيّ وهي تلعلع في عاصمتهم طهران، وطيلة الأعوام الماضية التي إجتاح فيها الإرهاب غالبية محيطهم الإقليمي ظل الإيرانيون بمنأى عنه إلى حدّ كبير.

لكن صباح الأربعاء 7 حزيران/ يونيو كان مختلفاً، وربما مفاجئاً بالنسبة لهم بعد أن تناقلت وكالات الأنباء المحلية خبراً مقتضباً مفاده أن مجموعة إرهابية مسلحة نجحت في اقتحام مبنى البرلمان الإيراني، وأن عدداً من المواطنين والعناصر الأمنية والموظفين راحوا ضحية هذا الهجوم الذي لم ينته إلاّ بعد مرور أكثر من أربع ساعات من المواجهة بين وحدة خاصة من قوات النخبة للحرس الثوري والمجموعة المسلحة.

مواجهة إتضح فيما بعد أن قائد القوات البرية للحرس العميد محمد باكبور هو الذي قادها ووجهها، بل كان في طليعة المشاركين فيها، بينما كان قائد الحرس اللواء محمد علي جعفري ومساعده حسين سلامي يشرفان على تنفيذ هذه المهمة غير المسبوقة. 

لعل من المفيد الإشارة أولاً إلى أن العملية الإرهابية التي استهدفت البرلمان ووفقاً لبيان وزارة الاستخبارات كانت واحدة من ثلاث عمليات كان داعش يأمل بتنفيذها في ثلاثة مواقع حساسة وسط العاصمة الايرانية بواسطة ثلاث خلايا نائمة كلفت للقيام بها، إلاّ أن العملية الأولى أخفقت في مهدها، وتم اعتقال عناصرها قبل تنفيذها، ويبدو أن وزارة الاستخبارات تعمّدت في الوقت الراهن عدم نشر أية معلومات إضافية حول مهمة الخلية الأولى لأسباب أمنية.

أما الخلية الثانية المؤلفة من مهاجمين اثنين والتي إستهدفت ضريح الامام الخميني في ضاحية طهران الجنوبية ، فقد فشلت هي الأخرى في تحقيق هدفها، إذّ نجحت قوى الأمن المكلّفة بحماية الضريح من قتل كلا الإرهابيين في وقت قياسي لم يتجاوز عدة دقائق، وخلفّت هذه العملية شهيد واحد وثلاثة جرحى.

الخلية الإرهابية الثالثة لداعش هي الوحيدة التي يمكن القول إنها تمكنّت من تحقيق نجاح نسبي، وهذه الخلية كانت مكلفّة بإقتحام القاعة الرئيسيّة للبرلمان الايراني التي يعقد فيها النواب جلساتهم اليومية، لكن فشلت في الوصول للقاعة، واقتصر دخول عناصرها على مبنى إداري ثان.

والجدير ذكره، أن البرلمان الإيراني يتألف من ثلاثة أبنية متصلة مع بعضها وتقع جميعها في منطقة "بهارستان"وسط العاصمة طهران من ضمنها البناية القديمة، وهي عبارة عن تحفة معمارية تم تشييدها أواخر العهد القاجاري، ويتخذ منها رئيس البرلمان مقرّاً له.

كيف تمكّن إرهابيو داعش دخول البرلمان؟ ولماذا لم يتمكنوا من إصابة أي نائب ؟

حسب روايات متطابقة ومصدرها صحفيون وأفراد أجهزة أمنية ونواب في البرلمان، فإن أربعة من المسلحين حاولوا الساعة العاشرة والنصف تقريباً من صباح الأربعاء دخول إحدى البوابات الشرقية للبرلمان والخاصة بالمواطنين الذين عادة ما يقصدون المكان على أمل حلّ مشاكلهم من خلال لقاء مندوبيهم.

وبعد مطالبتهم كما هو معتاد وضع ما يحملونه من حقائب ومعدات داخل أجهزة الفحص، سارع أحد المسلحين إلى إطلاق النار على الكادر الامني وعدد من المواطنين العاديين الذين صادف وجودهم في المكان إذاك، ليقطع بعدها الإرهابيون مسافة للوصول إلى القاعة المخصصة للإنتظار ليواصلوا الإطلاق العشوائي للنار على من كان في هذه القاعة ليوقعوا عدداً آخر منهم شهداء وجرحى.

وهنا وفِي إجراء دقيق، واستثمار ممتاز وسريع للوقت عمدت العناصر الأمنية الموجودة في المكان إلى إغلاق بوابة فولاذية تفصل بين المبنى الإداري الثاني ومكاتب الموظفين والنواب، والمبنى الهرمي الثالث حيث تقع فيه قبة البرلمان، وأكثر من 250 نائباً كانوا في هذه اللحظة يعقدون جلستهم اليومية، وبهذا الفصل بين المبنيين أسقط بيد أفراد الخلية الداعشية، وبان على افرادها إرتباك واضح، حيث أضطروا لصعود سلم المبنى الإداري الثاني مع مواصلتهم تسديد النار نحو كل من يصادفونه أمامهم.. لكن المواجهة معهم لم تدم طويلاً، إذ تمّت محاصرة الإرهابيين الأربعة في الطابق الرابع من المبنى من قبل قوات النخبة التابعة للحرس الثوري التي نجحت في إصطياد إثنين منهم، ليقرر بعدها الإرهابيين الآخرين تفجير نفسيهما بأحزمتهما الناسفة، ولتنتهي هذه العملية الإرهابية الأولى في طهران بأقل الخسائر البشرية مقارنة بغيرها من العمليات التي ضربت العديد من مدن العالم.

مشهد لافت .. صلاة الجماعة تحت أزيز الرصاص

وبينما كان تبادل إطلاق الرصاص بين الإرهابيين ووحدة مكافحة الارهاب الخاصة يسمع على أشدّه في الساعة الواحدة والربع وعلى مسافة عدة أمتار منهم، فإن نواب البرلمان حرصوا على إقامة صلاة الظهر جماعة تحت قبة البرلمان.. هو مشهد لافت ومعبّر ويحمل الكثير من الدلالات دون شك.

المصدر: الميادين

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]