حائط البراق هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، يقع في الجهة الغربيّة من سور المسجد، يمتد بين باب المغاربة جنوبًا، والمدرسة التنكزية شمالًا، سيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي بعد احتلاله مدينة القدس عام 1967، ويسعى اليوم إلى تهويده بالكامل وتزوير هويته العربية والإسلامية.

ويعتبر الحائط البالغ طوله 50 مترًا، وارتفاعه 17 مترًا، من أشهر معالم مدينة القدس، ويكتسب أهمية ومكانة كبيرة لدى المسلمين، نظرًا لارتباطه بمعجزة "الإسراء والمعراج"، وقد أُخذت تسميته من ربط الرسول محمد صل الله عليه وسلم دابته التي أسرى بها ليلًا من مكة إلى المسجد الأقصى، في حلقة على هذا الحائط.

وقبل عام 1967، كان الحائط محاطًا بالبيوت القديمة التي كان يطلق عليها "حي المغاربة" الملاصق للجدار الغربي للأقصى، والذي هدمه الاحتلال بالكامل في11 حزيران عام 67، وشرد أهله وحوله إلى ساحة أسمها "ساحة المبكى"، لصلاة اليهود، وذلك بدعوى أن منطقة الحائط ملك لليهود منذ ثلاثة آلاف عام.

ويدعى اليهود وفق رواياتهم الدينية أن حائط البراق، والذي يطلقون عليه "حائط المبكى" هو البناء المتبقي من هيكلهم المزعوم، وأن "البكاء والنحيل عنده هو أحد الأسباب التي ستعيد لهم هذا الهيكل وستؤسس لعودته، وبالتالي فهو يشكل رمزية يهودية".

وخلال القرن الـ19، حاولوا الاستيلاء عليه بتملك الأماكن المجاورة له، لكنهم فشلوا، وفي عهد الانتداب البريطاني زادت زياراتهم للحائط حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة البراق بتاريخ 23 أغسطس/آب 1929، والتي أدت لاستشهاد العشرات من المسلمين وقتل عدد كبير من اليهود.

وتمخضت تلك الأحداث عن تشكيل لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، وبعد تحقيق قامت به هذه اللجنة واستماعها إلى وجهتي النظر العربية الاسلامية واليهودية، وضعت تقريرًا في العام 1930، قدمته إلى عصبة الامم المتحدة أبدت فيه حق المسلمين الذي لا شُبْهة فيه بملكية حائط البراق.

وبنظر اليهود، فإن "سيطرتهم على الحائط هو بمثابة رسالة دينية وتثبيت لجذور يهودية فيه"، ولكن رغم هذه الادعاءات، إلا أن الموسوعة اليهودية تقول إن" اليهود لم يصلّوا أمام هذا الحائط إلا في العهد العثماني، ومن جهة أخرى ليس هناك أي أثر يثبت وجود الهيكل اليهودي أو ما يمكن أن يمت إليه بصلة".

كما أن علماء الآثار والمنقبين اليهود أنفسهم أو الذين استقدمهم اليهود وصلوا إلى صخرة الأساس في المكان، ولم يعثروا على أي دليل مادي مهما كان صغيرًا يؤكد صحة الروايات اليهودية.

مكان مقدس

رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث ناجح بكيرات يؤكد لوكالة "صفا" أن حائط البراق يعتبر من أقدس الأماكن الإسلامية، وهو معلم بارز له رمزية وعقائدية دينية لا يمكن إزالتها، معتبرًا ادعاءات اليهود باطلة، تدحضها كل المعطيات التاريخية.

ويحمل الحائط آثارًا إسلامية واضحة من حيث طبيعة البناء والحجارة الضخمة، وتكامله مع بعض جدران المسجد الأقصى العربية التاريخية.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" تبنت في 18 أكتوبر 2016 خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس، قرارًا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالأقصى وحائط البراق، واعتبرهما تراثًا إسلاميًا خالصًا.

ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد في الذكرى الخمسين لاحتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس، بالإبقاء على المسجد الأقصى وحائط البراق تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد، مضيفًا أنه "لا شك عندي بانتصار الحقيقة على الكذب"، وذلك في معرض رده على اعتبار "اليونسكو" الأقصى منطقة إسلامية خالصة.

ومنذ احتلال القدس، ولا يزال حائط البراق يتعرض لسلسلة اعتداءات إسرائيلية، ولمخططات تهويدية تشكل خطرًا مباشرًا على حائط البراق والمسجد الأقصى، من أخطرها مخطط " بيت الجوهر - بيت هليباه" في أقصى غرب ساحة البراق، ومشروع "بيت شطراوس" من الجهة الشمالية الغربية.

ولتنفيذ هذه المخططات، أسست "إسرائيل" ما يسمى بـ"صندوق تراث حائط المبكى" الذي يتبع مباشرة لمكتب نتنياهو، وأوكلت إليه عام 2004، مسؤولية القيام بشؤون ساحة البراق وما يحفر فيها من أنفاق، وهو ما يخوله بشكل غير قانوني تقديم كل المخططات التهويدية بالمنطقة.

وفي تحد سافر لقرارات "اليونسكو" بشأن القدس، عقدت حكومة الاحتلال جلستها الأسبوعية الماضية، بمنطقة حائط البراق للاحتفال بذكرى احتلال القدس، وصادقت على خطة لتطوير محيط البلدة القديمة بموازنة بــ50 مليون شيقل، ومن ضمنها بناء قطار هوائي يربط غربي المدينة بالبلدة القديمة وصولًا إلى حائط البراق.

ويثير مشروع القطار هذا غضب الفلسطينيين والمجتمع الدولي، علمًا أن الشركة الفرنسية العملاقة "سويز انفيرونمان" التي كان من المفترض أن تنفذ المشروع، قررت عام 2015 عدم التقدم للمشاركة في بناء التلفريك، تجنبًا لإثارة جدل سياسي.

اعتداءات ممنهجة

ويقول بكيرات إن حائط البراق تعرض على مدار سنوات الاحتلال، لعمليات تهويد وأنفاق وحفريات واسعة النطاق، في مخالفة واضحة لكافة القوانين والأنظمة الدولية، وهنا يوضح أن الحفريات التي نفذتها سلطات الاحتلال على مدار 30 عامًا في منطقة الحائط أدت إلى تغيير الوضع والمشهد العام، وطمس المعالم العربية والإسلامية.

ويضيف أن سلطات الاحتلال أزالت عام 2007م تلة المغاربة ونصبت جسرًا عسكريًا لعبور اليهود إلى باب المغاربة وصولًا لحائط البراق.

وتعمل عدة مؤسسات يهودية رئيسة، هي "لجنة إرث المبكى، صندوق تطوير المبكى، جمعية عطيريت كوهنيم الاستيطانية، وزارة السياحة والآثار الإسرائيلية، الجامعة العبرية، الصندوق الرسمي الداعم للقدس، وبلدية الاحتلال بالقدس"، على تهويد حائط البراق بالكامل، وخلق واقع جديد فيه.

وبالتالي، فإن هذه المؤسسات، تخصص، وفق بكيرات، ميزانيات ضخمة من أجل تهويد تلك المنطقة، وبناء كنس ومباني يهودية وحدائق توراتية ومطاهر ومسارات تلمودية ومراكز للشرطة وللزوار فيها وللتسوق أيضًا، كل ذلك بهدف خلق رؤية يهودية كاملة على حساب المعالم والآثار الإسلامية.

ويؤكد بكيرات أن سلطات الاحتلال تسعى من هذا المنطلق، لتهويد كامل المسجد الأقصى، وتعزيز الرواية التوراتية والتحضير لفكرة إقامة "الهيكل" المزعوم، مضيفًا "فكل من يريد الولاء للدولة العبرية عليه أن يأتي إلى حائط البراق ويقيم طقوسه الدينية عنده".

ولمخططات الاحتلال التهويدية في منطقة البراق، مخاطر كبيرة وكارثية على الأقصى، بحيث أنها ستمنع الرؤية البصرية للأقصى، وستعمل على خنقه والانقضاض عليه، وطمس الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ عن هوية المكان، بالإضافة إلى العمل على تشريد السكان الأصلين من المنطقة، وإحلال اليهود مكانهم.

ويلفت بكيرات إلى أن الحفريات الإسرائيلية في المنطقة أثرت بشكل واضح وخطير على المسجد الأقصى، كما أن أداء المتطرفين طقوسهم وصلواتهم الدينية بصوت عالٍ انعكس سلبًا على الوجود الإسلامي بالمنطقة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]