بينما كان الملك سلمان بن عبد العزيز، يشرح للرئيس الأميركي دونالد ترامب، كيفية التعامل مع فنجان القهوة العربية بعد تناولها من خلال هزّ الفنجان في إشارة إلى انتهائه منها وعدم سكب المزيد، كان البيت الأبيض يحذف عن موقعه خارطة تضم الدول التي سيزورها الرئيس ترامب، ومن بينها خارطة لإسرائيل وفقاً لحدود الهدنة عام 1948، بدون الجولان المحتل وبدون الضفة الغربية وقطاع غزة، عملية تصحيح تمت إثر موجة الغضب الإسرائيلي على نشر هذه الخارطة.

وبين هزّ فنجان القهوة، وتصحيح الخارطة على موقع البيت الأبيض من خلال حذفها، جملة هائلة من التوقعات حول النتائج المحتملة لجولة الرئيس الأميركي، فالمنطقة حبلى بالتوقعات والانتظار والرهانات وربما التناقضات، فالرئيس الأميركي الذي بات يخشى من عزلة على ضوء أدائه الضعيف والخاطئ والمتعجرف والفوضوي، المطارد من قضاء وتحقيقات بلاده، يجد كل الترحيب والضيافة التي تليق برئيس أميركي، رغم «هروبه» من استحقاقات بلاده الداخلية. بين الرئيسين الأميركيين 37 و45، ريتشارد نيكسون ودونالد ترامب، بعض التشابه في سياق التوجه إلى المنطقة العربية في حالة هروب من استحقاقات الداخل الأميركي، عام 1974 زار نيكسون المملكة العربية السعودية وسورية، وهو في أوج وزخم فضيحة «ووترغيت» مراهناً على إمكانية أن تفسح المجال سياسته الخارجية في الشرق الأوسط وإحراز تقدم ما، لإنقاذه من عزله من منصبه، إلاّ أنه لم تسعفه هذه الجولة واضطر إلى الاستقالة قبل أن تناله يد العزل، يبدو ترامب في نفس الموقع وفي سياق متصل بالهرب منها، الفارق الأساسي، أن شخصية ترامب لا توحي بأنه قادر على اتخاذ خطوة نحو الاستقالة، وسيقاتل حتى الرمق الأخير، حتى لو كان العزل هو نهايته، ذلك أن آليات هذا العزل تتخذ خطوات طويلة معقدة، نجاحه في التوصل إلى اختراق مهم، على صعيدي تشكيل حلف عربي ـ إسلامي سني ضد إيران من ناحية، وإحراز صفقة وحراك جدي نحو استئناف عملية تفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، برعاية عربية، هو رهانه على تصحيح ما اقترفه من أخطاء وخطايا، في سياستيه الداخلية والخارجية على حد سواء.

زيارة تاريخية بكل المقاييس، هكذا وصفها الجانبان الأميركي والسعودي، جولة تتحدد على اثرها تخوم التحالفات وخرائط التقاطعات في منطقة هي الأكثر سخونة ودموية على خريطة العالم، ولا يغيب عن هذا التصور، العنصر الأكثر أهمية بالنسبة لإدارة ترامب، العنصر المالي، أو بالأحرى الرشوة المالية التي تقاس بعشرات المليارات من الدولارات، سواء لجهة استثمارات سعودية وخليجية في الولايات المتحدة، أو صفقات بيع أسلحة واتفاقات نفطية، ولعل هذا العنصر هو الأكثر ضمانة بالتحقق من هذه الجولة قياساً على سيناريوهات واحتمالات أخرى، وهو العنصر المطلوب لرشوة المواطن الأميركي الذي يتطلع إلى ترامب بوصفه جالب الأموال إلى صناديق الاقتصاد الأميركي والتي ستوفر حلولاً مضمونة لأزمات البطالة وتراجع قدرة الولايات المتحدة على منافسة الاقتصادات التي باتت تزاحمها على صعيد التجارة الدولية، ولعل في هذا العنصر يكمن بعد إضافي ربما يقف حائلاً دون الهجمة على ترامب بهدف إزاحته عن منصب الرئاسة! الجانب الإسرائيلي يتطلع بحذر إلى هذه الجولة، إلاّ أن هذا الحذر لا يصل إلى درجة الهلع كما تنقل وسائل الإعلام العربية عن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ووسائل الإعلام هناك، لأسباب ترويجية في اطار رسالة اطمئنان للجانب العربي، والفلسطيني على وجه الخصوص، مع ذلك تخشى إسرائيل من أن زيادة تسلح السعودية ودول الخليج بالأسلحة الأميركية بذريعة مواجهة إيران، قد تشكل خطراً عليها في حال سقوط نظام وأكثر في هذه المنطقة، ثم إن تراجع ترامب عن نقل السفارة، يعود إلى استرضاء العرب، وهذا يشير إلى أن الإدارة الأميركية معنية ليس فقط بالاستماع إليهم، بل باسترضائهم، ثم ان التقارب بين إسرائيل ودول الخليج جاء في فترة اجتماع الطرفين على أن إدارة أوباما السابقة كانت أكثر ميلاً للاستقلال عن مصالحها نسبياً، في ظل إدارة ترامب فإن رغبته في استرضاء العرب، التي تشجعهم على الاقتراب أكثر من إسرائيل.

هذه مخاوف إسرائيل التي من شأن طرحها على إدارة ترامب، الأكثر قرباً وصداقة معها، تعتبر شكلاً من أشكال المناورة والابتزاز، في سبيل ضمان اتخاذ إدارة ترامب المصالح الإسرائيلية بعين الاعتبار لدى تناول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي! 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]