ألقت محافظة بنك اسرائيل، د. كرنيت فلوغ، مؤخرًا محاضرة في مؤتمر معهد أهرون للسياسات الاقتصادية في المركز متعدد المجالات، بحيث تناول المؤتمر تأثيرات الاقتصاد العالمي على إقتصاد إسرائيل، واستراتيجية السياسة الاقتصادية، والاصلاحات المطلوبة من أجل زيادة الإنتاجية في العمل.

وقالت المحافظة في محاضرتها "إنّ البيئة الاقتصادية العالمية في السنوات التي تلت الازمة الاقتصادية العالمية أصبحت تشكل تحديًا أكبر امام واضعي السياسة الاقتصادية في اسرائيل، سواء بسبب نمو التجارة العالمية بوتيرة بطيئة جدًا مقارنةً بالسنوات السابقة، او بسبب السياسة المالية بالغة التوسع التي تتبعها بعض البنوك المركزية من شركائنا التجاريين الأساسيين. هذه الظروف تؤثر بالطبع على السياسة الاقتصادية الكليّة المطلوبة على المدى القريب خلال دورة الأعمال. الأخبار الأقل تفاؤلًا هي أنه حتى على المدى البعيد، وبحسب تقديرات عديدة من جهات مختلفة، فمن المتوقع أن يسجل النمو العالمي وبالتحديد الازدياد في التجارة العالمية - وهو المتغير الاقتصادي العالمي الأكبر تأثيرًا على التصدير الاسرائيلي – ركودًا أكبر من السابق. يختلف المتخصصون حول أسباب هذا التوقع التشاؤمي، وهم مختلفون أيضًا حول حدة هذا الركود، ولكن التقديرات جميعها ترجح تباطؤًا كبيرًا مقارنة بالسنوات التي سبقت الأزمة. هذه التوقعات حول الوضع العالمي في المستقبل تضاعف الحاجة للعمل من أجل زيادة الانتاجية في الجهاز الاقتصادي الاسرائيلي ضمن الاستراتيجية الاقتصادية، والتي يعتبر تحسين جودة اليد العاملة مكونًا أساسيًا فيها.

نمت التجارة العالمية منذ الأزمة بمعدل بلغ 3% في السنة ، وهذا أقل من نصف معدل نموها في السنوات التي سبقت الأزمة (7.5%). وبحسب تحليل اجراه صندوق النقد العالمي، فإن انخفاض نسبة الاستثمار من الناتج، كان مسؤولًا عن 75% من التباطؤ في التجارة العالمية. في المقابل نلاحظ ايضًا تباطؤ في اتخاذ خطوات سياسية من شأنها أن تؤدي إلى الانفتاح التجاري، وإلى جانبه تسارعًا في فرض اجراءات تقيّد التجارة العالمية. وهذا في الواقع يعتبر نوعًا من التراجع في التوجه نحو العولمة الذي ساد في العقود الأخيرة حتى قبل الشعور بتأثير التغييرات السياسية الأخيرة. كل ذلك ساهم في ابطاء اضافي لنمو التجارة العالمية، والذي يعني من ناحيتنا أن الطلب على التصدير الاسرائيلي في السنوات الأخيرة قد نما بشكل أبطأ من السابق.

إلى جانب هذا، فإن التوسع النقدي الحاد الذي تبنته بعض البنوك المركزية من ضمن الشركاء التجاريين المركزيين لإسرائيل والذي تضمن فائدة منخفضة وحتى سلبية، وتوسعًا كميًا انعكس بتداول جزء من الدين الحكومي بعائد سلبي، يشكّل ضغطًا لتعزيز قيمة الشيكل اضافةً إلى رفع القيمة الناجم عن قوى اقتصادية أساسية – وهي ذات القوى التي تنعكس في الأداء القوي للجهاز الاقتصادي الإسرائيلي، بما في ذلك الفائض في الحساب الجاري. على ضوء هذا طرأ ارتفاع كبير في سعر الصرف الاسمي الفعلي - حوالي 20% منذ 2012، و 11.5% في العامين الأخيرين - والذي أدى الى ارتفاع التصدير الاسرائيلي بوتيرة منخفضة أكثر من الارتفاع في التجارة العالمية. كل ذلك فرض على بنك اسرائيل أيضًا توسعًا نقديًا انعكس بخفض الفائدة وابقائها بنفس المستوى المنخفض 0.1% منذ اكثر من سنتين، إلى جانب شراء العملات الاجنبية من أجل منع جزء من فائض الارتفاع في قيمة الشيكل. هذه السياسة الى جانب سياسة الميزانيات الأكثر توسعًا، ساهمت في اعادة التضخم المالي ضمن المجال المستهدف لاستقرار الاسعار والنمو الاقتصادي، والذي يتأثر هو أيضًا لدينا بحجم الاستهلاك الشخصي في السنوات الأخيرة بسبب ضعف التصدير.

بالنظر إلى المدى البعيد، من المتوقع أن تكون البيئة العالمية معتدلة كما ذكرنا، ومن المتوقع بالأخص أن تزداد التجارة العالمية بوتيرة معتدلة. على ضوء هذا تبرز أهمية زيادة الانتاجية في العمل، والتي تعتبر دعامة مركزية من أجل التمكن من المنافسة في المحافل الدولية، وتعتبر شرطًا ضروريًا كي ينمو الجهاز الاقتصادي بوتيرة تساعد في تقليص الفجوة في ناتج الفرد بيننا وبين الدول الأكثر تقدمًا. وتيرة الارتفاع في الناتج للعامل في اسرائيل منخفضة بالنظر إلى مستوى الناتج للفرد، ما يعني بأننا لا نقلص الفجوة بين اسرائيل وبين الدول المتطورة. وكما بينّا في مناسبات مختلفة، فإن قطاعات التصدير هي في الواقع ذات انتاجيّة أعلى في اسرائيل مقارنةً بالدول الاخرى. ومن جهة أخرى، تعاني القطاعات المركزية في السوق المحلي، والتي يجدر الذكر أنها تضم معظم العاملين في قطاع الأعمال، من فجوة كبيرة في مستوى الناتج لساعة العمل. على ضوء هذا، فإن الانخفاض في حجم التصدير نسبة للناتج لا يبشر بالخير. قطاعات التصدير التي تنعكس فيها الخصائص الايجابية للجهاز الاقتصادي وخاصية الارتفاع في الانتاجيّة، هي القطاعات التي تتصدّر الابتكار والانتاجية، وتقلص حجمها من الناتج يتناسب مع التباطؤ في ارتفاع الناتج لساعة العمل.

عن الاسباب المتنوعة للفجوات في الانتاجية بيننا وبين الدول المتطورة تحدثت في مناسبات سابقة. وتحدثت عن الفائض في البيروقراطية والذي ينعكس مثلًا في مكانتنا المنخفضة وفق تصنيف Doing Business للبنك الدولي، ومعيقات متنوعة تثقل على التجارة (خصوصًا المعيقات غير الجمركية) والتي بحسب (OECD) تعتبر مرتفعة نسبيًا في اسرائيل، الاستثمار الحكومي غير الكافي في البنى التحتية، والطريقة التي تؤثر فيها هذه العوامل كذلك على الانخفاض النسبي للاستثمار في رأس المال المادي من قبل قطاع الأعمال. كذلك فإن مهارات العمال في اسرائيل متدنية في جميع المجالات (والفجوات هنا كبيرة بشكل خاص)، ونتائج إنجازات الطلاب الاسرائيليين في الاختبارات المعيارية لا تبشر بالخير أيضًا فيما يتعلق بالتأهيل الذي يحصلون عليه لاقتحام سوق العمل في القرن الـ 21.

اذا ما الذي يجب ان تكون عليه استراتيجية السياسة الاقتصادية من أجل تغيير هذا النمط، ومن أجل دعم التنمية المستدامة والشاملة التي تعتمد على الارتفاع المتواصل في الانتاج؟ يجب ان تشمل الاستراتيجية ثلاثة مكونات: تحسين جودة الموارد البشرية، تحسين البيئة التجارية/ التنظيمية، وتحسين مستوى البنى التحتية مما يساعد ايضًا في رفع الاستثمار في رأس المال المادي. يمكن الاستنتاج من سلسلة طويلة من الأبحاث التجريبية حول العالم، أنّ جودة الموارد البشرية ومهارات العمال، هي مكون أساسي في التنمية. منظمة OECD أجرت تحليلا شمل دولا مختلفة، تبين منه أنّه بعكس السنوات السابقة، في السنوات القريبة، التحسن في رأس المال البشري من خلال زيادة عدد سنوات التعليم، ليس من المتوقع أن يساهم في نمو الناتج في اسرائيل، وبناء على هذا علينا أن نركز في سياستنا على تحسين جودة التحصيل العلمي.

فيما يتعلق بمساهمة تحسين البيئة التنظيمية، وجدت منظّمة OECD أن رفع مستوى "ودية" السياسة التنظيميّة من جانب السلطات في اسرائيل ومساواتها بتلك التي في دول المنظمة يساعد في رفع الناتج المحلي الاجمالي بحوالي 3.75% بعد 5 سنوات وبحوالي 5.75% بعد 10 سنوات، أي اضافة تتراوح بين 0.5 و 0.75 % للنمو السنوي في اسرائيل على طول الفترة.

وفيما يتعلق بالبنى التحتية، وجد World Economic Outlook التابع لصندوق النقد الدولي في نيسان 2014 أن الارتفاع بنسبة مئوية واحدة تقريبًا في الاستثمار في البنى التحتية يساهم في المعدل بزيادة تبلغ 1.5% في الناتج على مدى 4 سنوات. وعلى افتراض وجود انخفاض في الناتج الهامشي، يمكن التوقع أنه في دولة مثل اسرائيل والتي مستوى البنى التحتية فيها أقل من المتوسط، سيكون التاثير أكبر من ذلك.

من المهم القول أنه الآن بالذات في حين أنّ وضع الجهاز الاقتصادي على مستوى الماكرو جيد، علينا ان نركز الجهود لمعالجة التحديات بعيدة المدى".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]