ألف عافية للقائمين على مسيرة العودة التقليدية فهي ثمرة جهود مضنية ومبادرة مهمة ومفيدة رغم الفوضى المتكررة وضعف العرافة. منذ 20 عاما وعلى خلفية تجاهل اتفاق أوسلو للفلسطينيين في إسرائيل بادرت " لجنة الدفاع عن المهجرين في إسرائيل " لمسيرة عودة ومن وقتها صارت تقليدا متكررا. عام 1997 اصطحبت ابني معي وعاد مغتبطا بعدما شارك بالمسيرة الأولى رافعا لافتة تحمل اسم قرية الغابسية. كبر الولد وتغير وتغيرت الدنيا والمسيرة الحالمة ما زالت محافظة على شكلها ومضمونها والسؤال هل تبقى كذلك عندما سيشارك بها الحفيد بعد سنوات قليلة ؟ في المسيرة التي تعرف الأجيال على مواقع في الوطن ترفع الرايات وأسماء البلدات المهجرة وتتوج بمهرجان خطابي نؤكد فيه على حق العودة المقدس وعلى أن " يوم استقلالهم يوم نكبتنا " . المسيرة مهمة لحماية الهوية الوطنية للناشئة والشباب في وجه الأسرلة بل تساهم في تعزيز مناعتنا بالمساهمة في تعزيز هويتهم الوطنية لتكون راسخة واضحة تقي من التشويه. هي صرخة غضب ولدت متأخرة أطلقها السكان الأصليون بعدما " العيال كبرت " ضد من سلبهم وطنهم ومواصلة منحهم مواطنة تشبه الفتات، تهميشهم وتجاهلهم. بالمقابل وبعد عقدين على إطلاق مسيرة العودة نحتاج لطريق جديدة توصل لحلول وإنجازات، فالمهرجانات والخطابات غير كافية خاصة عندما تتضمن فتوحات لفظية. في كل عام تقفز أسئلة تحتاج الفعاليات السياسية والأهلية مواجهتها منها : لماذا يشارك الآلاف بمسيرة العودة مع أطفالهم وبالكاد يشارك عشرات في فعاليات نصرة الأسرى وهؤلاء سفراء للقضية المولودة من النكبة ؟ هل التفسير كامن بكون المسيرة ذكرى النكبة ومحط إجماع تسكن وجدان كل الفلسطينيين ؟ أم يوجد هنا اغتراب حيال قضية الأسرى وشعور كأنهم من هناك لا من هنا نتيجة مشروع إسرائيل بتقسيمنا لشعوب فلسطينية؟ أم أن هذا التناقض هو نتيجة ضعف الأحزاب وتراجعها أو الاحتجاج عليها؟ أم أنها أيضا تأتي بيوم عطلة - " يوم الاستقلال " مما يدفع الأفراد والعائلات للمشاركة بفعاليات غير حزبية على تراب قرى مهجرة بين أحضان الطبيعة ؟
بيد أن السؤال الأهم والمترتبة إجابته على الأسئلة المذكورة هو ماذا بعد ؟؟ هل نستطيع أن نحمل وزر مشروع سياسي أكثر ثقلا ونوعية ؟ بعد 20 عاما على انطلاقها هل ستكون مسيرة العودة يوما قاطرة لنضال فعلي من أجل عودة اللاجئين = الشعار الذي يشدد عليه بكل مسيرة سكرتير لجنة المهجرين( المحامي واكيم واكيم) ؟ أو على الأقل عودة المهجرين(30 % من المواطنين العرب ) ولو من باب نضال مدني لتوفير الحق بالمأوى وحل أزمة السكن ؟ وضمن ذلك استعادة الأوقاف الإسلامية بنضال مدني يكفل لنا حلفاء وشركاء وربما في نطاق " حكم ذاتي "، كما يقترح سعيد زيداني؟
طيلة عقدين بقيت مسيرة العودة بحقيقتها فعالية لتعزيز الهوية وتوريث الرواية التاريخية وهذه مهمة هامة جدا ولكن بوسعها أن تؤسس لمشروع سياسي لعودة المهجرين بات بمقدورنا أن نحمله ونمضي به للمستقبل بعد عقود من تجذير بقاء من بقوا. لن يكتب لمثل هذا المشروع النجاح دون خطة تحدد أهدافه ووسائله ورسائله للعالم ويقوده شباب من كل المشارب الفكرية والسياسية عبر نضال يجمع الوطني والمدني يعتمد خطابا حقوقيا للاستفادة من تجارب عالمية مماثلة. بدون خطة يبقى المشروع المراد فقط مقولة وشعارا ووسيلة لمقارعة إسرائيل وقض مضاجعها والاحتجاج على سياساتها والتلويح برد على إغلاقها الأبواب أمامنا وهذه أيضا أهداف مهمة لكننا نحتاج لتوضيح لنا ولهم ماذا نريد. بدون تحديد أهدافها المذكورة والعمل على التعبئة الحقيقية من أجل خوض نضال حقوقي مدني لتحقيقها ربما تنتج مسيرة العودة صورة مزيفة عنا تستخدمها حكومات اليمين فزاعة كرتونية للترهيب من " الطابور الخامس " الوهمي. صحيح أن اليمين المستشرس سيهوش ضد المواطنين العرب بكل الأحوال ولذلك فلتكن المسيرة مشروعا طموحا لإحراز مكاسب عملية على الأرض. هذا يعني أن تكون منطلقا لنضال سياسي ناضج من أجل عودة المهجرين يحمله شباب اليوم تحت مظلة لجنة المهجرين بعد تعزيزها وتنظيمها ضمن مشروع نفسه طويل ومدروس.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]