إذا أردت أن تمر على معبر الذل فلتنسى حياتك الأسرية، لتوفر لأولادك قوت يومهم فلينسوا وجودك بينهم، الجلوس مع العائلة أو الخروج برحلة معه أصبح حلم بالنسبة للعامل.

يخرج من منزله للعمل ويقضي أكثر من 12 ساعة ما بين إنتظار الدخول إلى معبر الذل ثم إلى العمل فالعودة إلى المنزل ليجهز ما يلزمه لليوم التالي للعمل وهكذا تمر الأيام على عمال فلسطين مما يتوجهون للعمل في الداخل المحتل.

حتى تمر على معبر الموت عليك بالتواجد في منتصف الليل حتى تبدأ مرحلة الموت البطيء لتصل إلى الجانب الآخر، فيمر كل عامل بعدة مراحل تبدأ بالإصطفاف لعدة ساعات حتى يبدأ دوام من يتولون إدارة المعبر في الساعة الرابعة فجرا، أكثر من 10 الآف عامل ينتظرون في صفوف محصورة من الجانبين بالحديد وبمسافة لا تتجاوز الـ 60 متر، عشرات بجانب بعض والالآف خلف بعض، فإن جاء دورك ووصلت إلى بداية المعبر سالم فستواجه ما يطلق عليها العمال " المعاطة " وهي من المعدات المستخدمة في تنظيف الدجاج وذلك لعدم الحاجة لها لكنها لزيادة إذلال العامل فقط، فستواجهك منها ثلاثة ثم جهاز للمعادن وآخر للتفتيش الجسدي وما تحمله بيدك وإن شكوا بشيء فستوضع في غرفه مغلقة، وفي النهاية تدقيق الهوية الشخصية والتصريح، فإن تعديتها وأنت سالم وغير مصاب فعليك بالصلاة لله شكرا أنك وصلت سالما هكذا وصفها أحد العمال المارين يوميا على حاجز الذل.

مأساة

أسعد صوان أحد العمال من بلدة إماتين شرق قلقيلية بدأ كلامه بأنه لا توجد معاناة على المعبر وإنما مأساة، فهناك عمال يبدأون بالتواجد من الساعة 11 ليلا والساعة 12 ليلا حتى يحصل يستطيع الدخول في البداية وهذا معناه انه لا يرى لا زوجته ولا أولاده، ومنذ نهاية العمل يوم الخميس يبدأ العامل بالتفكير كيف سيتوجه إلى المعبر يوم الأحد فهي القضية التي تشغل تفكير الجميع.

يضيف صوان أنه متواجد منذ الساعة الثانية والنصف وعند وصوله تفاجأ بوجود الآف من العمال فهو يعتقد أنه حضر قبل الكثير.

وعند سؤاله عن سبب حضوره بمثل هذا الوقت كان رده بأن مثل هذا السؤال يجب أن يوجه للمسؤولين عن سبب وصولنا لهذا الحال، فنحن نقول أننا لدينا دولة ولكن دولتنا تتركنا لدولة ثانية، " العامل بصحى الساعة 1 ليروح يشتغل ويجيب لقمة الخبز لولاده ونطعميهم"، منذ 20 عاما ونحن نقول لنا دولة فإن كان هذا الكلام صحيح فلن نذهب لنذل يوميا على المعبر لنعمل.

شاهد جميع شعوب العالم لا يوجد شعب مثل شعبنا يتوجه بمثل هذا الوقت إلى عمله، لا يوجد شعب آخر يتسول قوت يومه أو يذل أو يهان حتى يأتي بقوت يومه وقوت أبنائه.

وأوضح صوان أن العامل مقرر أن يعمل حسب القانون 8 ساعات يوميا لكن هنا يخرج العامل من منزله في منتصف الليل ويعود إلى منزله في الساعة الثامنة مساءا وهذا يعني أنه عمل ووقت إنتظاره هي 20 ساعة وفي النهاية يتلقى أجرة يومية 200 شيقل وهناك البعض يأخذ 150 و 130 شيقلا لو قسمنا أجرته على الساعات اليومية فستكون ساعة عمله في أفضل الأحول 10 شواقل ومع هذا رضينا بهذا الذل لنوفر لعوائلنا حاجاتهم.

وطالب صوان بأن يكون هناك حلول وعاجلة نريد مسؤولين يأتوا ويشاهدوا معاناة العمال اليومية ويشاهدوا اليأس والبؤس وما يحصل على معبر العمال فهذه لا تسمى حياة، مشيرا إلى أنه عندما يبدأ العمل بالمعبر تشاهد ما لم تتخيل أن تشاهده فإن استطعت أن تجتاز المعبر وأنت سليم ومعافى فلتحمد ربك ولتصلي له شكر أنك حي ولم تتأذى ولم يكسر لك ضلع أو يد أو رجل أو أنك لم تمت كمن مات هنا في هذا المعبر وغيره.

معاناة مضاعفة

عدنان عرباس من قلقيلية ويعمل منذ ربع قرن في الداخل يوضح أنه ينطلق من منزله في الساعة الرابعة صباحا لكنه أكثر حظا من غيره فهو ينهي عمله في الساعة الثالثة ظهرا لكنه لم يأتي بسهولة، فالمشغل الإسرائيلي ولفترات طويلة كان يجعله يعمل لساعات إضافية بعد نهاية عمله لكن بدون أجر مدفوع مقابل هذه الساعات وعند مطالبته بالمقابل كان يتهرب فأجبر المشغل الإسرائيلي على الإلتزام بساعات العمل.

وأضاف عرباس معاناتنا اليومية هي بسبب الإزدحام فهناك 12 ألف عامل يمر على المعبر وصغر مساحة الإنتظار والحواجز الحديدية على الجوانب وساعات العمل المحددة للوصول إلى العمل نتعرض في أحيان كثير لإصابات، فلا يوجد عامل مر على هذا المعبر لم يتعرض لحادث سواء رضوض أو كسور وقد توفي البعض أيضا.

وأوضح عرباس بعد كل هذه المعاناة هناك معاناة أخرى عند المطالبة بحقوقي كعامل من المشغل الإسرائيلي، فصاحب العمل يعترف براتبك أو أجرك ولا يعترف بباقي حقوقك كالإجازات مدفوعة الأجر أو الأعياد أو العطل الرسمية وعند المطالبة يكون الرد إذا دفعت لك فمن سيدفع لي؟

وتمنى عرباس أن ينتقل للعمل في أراضي السلطة وعدم التوجه للعمل في إسرائيل لكن عند مشاهدة نسبة العاطلين عن العمل ومن ضمنهم حملة الشهادات الجامعية تجعله يبقى في عمله مع كل ما يعانيه.

العائلة رفاهية

أما العامل سميح النيص فأشار إلى أن العامل محروم من أشياء كثيرة وتعد بالنسبة له من الرفاهية وأحدها الجلوس مع العائلة بسبب طول ساعات العمل وهذا الأمر أكثر المشاكل التي يواجهها العامل بالإضافة للمعبر والمعاناة عليه.

وأضاف النيص أن من ضمن ما يعانيه عدم إعتراف المشغل الأسرائيلي بحقوقي بأن أتلقى الأجر على الأعياد أو العطل وأن المشغل يتذرع بأن هناك إغلاق وأنه لا ذنب له بعدم قدومي للعمل متمنيا أن تتغير الأوضاع على المعبر وأن يصبح الدخول إليه بطريقة أسهل.

9 الاف عامل أكثر من المتوقع

بدوره أوضح رئيس إتحاد نقابات عمال فلسطين فرع قلقيلية محمود ذياب عامر أن معبر العمال في قلقيلية أفتتح بالأصل ليستوعب 3000 الآف عامل وحاليا يمر منه في الأيام العادية 12 الف عامل على الأقل وفي بداية الأسبوع يتجاوز العدد 15 ألف عامل، مشيرا أننا في مطالبة مستمرة لتحسين المعبر والقدرة الإستيعابية له لكن هناك معيقات كثيرة نصطدم بها.

وأضاف ذياب عامر أن هناك لجنة من المتطوعين تابعة للإتحاد تنظم العمال في الصباح الباكر وتتعامل مع الحالات الإنسانية والنسائية وعددهم يصل إلى 86 عامل تلقوا تدريبات مكثفة من الإتحاد للتعامل مع جميع الحالات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]