يستمر إضراب الأسرى الشجعان لليوم التاسع على التوالي، ويزداد عدد الأسرى المشاركين في الإضراب، ويتسع الحراك الشعبي الداعم لهم، كما يتسع حجم التضامن العالمي مع قضية الأسرى. كرة الثلج تتدحرج ببطء وبصعوبة لكنها تكبر، فلا بديل عن ظفر الأسرى بمطالبهم المشروعة. هكذا يتعزز إنجاز الأسرى في هذه المعركة الوطنية والإنسانية الأهم بانتقال النضال من حالة الخصخصة والفردية والفئوية الى الإرادة العامة والنضال المشترك الجمعي، الذي يستطيع وحده تحقيق الإنجازات.

اشتباك الأسرى داخل السجون مع الجلادين، وضع قضية الأسرى الفلسطينيين مرة أخرى على بساط البحث. فالتعريف الإسرائيلي للأسرى يضعهم في خانة الإرهاب ويطلق عليهم صفة إرهابيين، ويسلبهم حقوقهم وإنسانيتهم، ويضع حياتهم ومصيرهم بتصرف الجنود والمستوطنين والسجانين، يستوي في ذلك المناضلون الذين اعتمدوا المقاومة الشعبية والذين اعتمدوا المقاومة المسلحة، الذين استهدفوا الجنود المحتلين والمستوطنين، والذين استهدفوا مدنيين وأهدافا مدنية، ووصلت الاستهانة والعجرفة الإسرائيلية حد إطلاق صفة الإرهاب الدبلوماسي على تقديم طلب الانضمام الفلسطيني للهيئات والاتفاقات الدولية كمحكمة الجنايات واتفاقيات جنيف، وطرح قضايا كالاستيطان وجرائم الحرب على المؤسسات الدولية للبت بها. إن وسم النضال التحرري الفلسطيني بالإرهاب عبر التعريف الإسرائيلي المتغطرس، يجانب القانون الدولي الذي يسمح بمقاومة الاحتلال- ما عدا استهداف المدنيين والأهداف المدنية بشكل قصدي-، ويرفض التعامل مع الأسرى كمناضلين من أجل الحرية. لقد أوصل الإمعان الإسرائيلي في رفض حق الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال المواقف الإسرائيلية حد التوحش والعدمية وبخاصة الموقف من قضية الأسرى ومطالبهم المشروعة. التوحش عبر عنه «يسرائيل كاتس» وزير المواصلات الإسرائيلي الذي طالب بإعدام الأسرى، وأفيغدور ليبرمان الذي طالب بترك الأسرى يموتون عبر نسخ تجربة رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت تاتشر التي تركت المناضلين الايرلنديين المضربين يموتون. ولم يكن نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بأكثر رحمة حين طالب السلطة بالتوقف عن صرف مخصصات الأسرى المالية، وبالتوقف وبوقف مخصصات أسر الشهداء. إضراب الكرامة والحرية يعيد تعريف المقاومة وحق الشعب الفلسطيني في التحرر، وتعريف الأسرى كمناضلين من أجل الحرية، ويطرح ضرورة التصدي لمسعى أميركي إسرائيلي محموم يحاول دمج النضال الفلسطيني ورموزه بالإرهاب. فقد سبق وان طالبت الإدارة الأميركية القيادة الفلسطينية بنبذ الارهاب، دون تمييز بين المقاومة المشروعة والارهاب كشرط مسبق للتفاوض مع م.ت.ف. ولم توضح القيادة حينذاك مشروعية النضال الفلسطيني. ويأتي منع عرض فيلم وثائقي عن المناضل مروان البرغوثي في لندن، كأحد تجليات المواقف الإسرائيلية والبريطانية العدمية من النضال الفلسطيني.
 

آن الأوان، وتحديدا عبر هذه المعركة التي يخوضها الأسرى، لتحدي الابتزاز الإسرائيلي وكل القوى المساندة له، ذلك الابتزاز الذي ينزع حق الشعب الفلسطيني المشروع في النضال من اجل التحرر من الاحتلال والهيمنة والنهب. آن الأوان لوقف انتظار الحل الموعود «الكاذب» الذي ستتكرم بتقديمه الحكومة الاسرائيلية بدعم أميركي، وتكون النتيجة لا حل ولا ما يحزنون، وبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه وإلى ما لا نهاية. لقد تمرد الأسرى على واقع التعايش مع الاحتلال وقوانينه المجحفة وأساليبه التدميرية التي لا تنتج غير المعاناة والمزيد من المعاناة للشعب. تمرد الأسرى باستخدام سلاح الإضراب المفتوح عن الطعام، والتمرد سلاح ذو حدين، فمن ناحية يلحق الإضراب الأذى بالأسرى ويتهدد حياتهم، ومن ناحية أخرى يقدم الاضراب وتداعياته دولة الاحتلال على حقيقتها ككولونيالية عنصرية متوحشة، وهي الدولة التي درجت على تقديم نفسها للعالم باعتبارها المخفر الأمامي للعالم الحر والنموذج الديمقراطي الوحيد في عالم قروسطي شديد التخلف. الأسرى فعلوا ذلك بعد أن سئموا التعايش مع الأمر الواقع والانتظار وبعد أن دفعوا ثمنا باهظا لقاء ابشع عملية خداع، بعد كل ذلك، أعلنوا التمرد على قواعد اللعبة صراحة وبدون لبس، وهم بهذا العمل الشجاع يكونون قد وضعوا شعبهم أمام خيارين، الأول: البقاء في سراديب الانتظار والتعايش مع احتلال دائم، ومن علائم ذلك ترك الأسرى يخوضون المعركة وحدهم باستثناء رفع العتب، التضامن بأضعف الإيمان. الخيار الثاني : الانضمام للتمرد على الاحتلال والانتظار والخداع بأشكال نضالية منظمة ومتصاعدة ومتواصلة. قد يقول البعض ان هذا يعني قلب الطاولة ومقامرة بمصير ومستقبل شعب في شروط إقليمية وعربية ودولية غير مواتية. الرد على ذلك، ليس المطروح مغامرة، بل الخروج من قواعد لعبة سياسية تدمر حرية ومصير ومستقبل شعب، المطروح هو إنقاذ شعب من الخطر بالتوقف عن التعايش مع الأمر الواقع الذي يساوي التعايش مع الاحتلال في شروط إقليمية وعربية ودولية تسمح بذلك. ليس المطلوب التمرد على القانون والشرعية الدوليين ولا إعلان حرب ولا الدخول في حالة من الفوضى ولا الدخول في مواجهة عسكرية غير متكافئة بالمطلق، ولا في مواجهات تؤدي الى خسائر من طرف الشعب، ولا تكرار الأخطاء السابقة. المطلوب هو رفض الاستباحة والاغتصاب الإسرائيلي لكل شيء، استخدام الأسرى سلاح الإضراب الذي لا يملكون غيره، ويمتلك الشعب في سجونه الكبيرة أسلحة عديدة مؤثرة ويمكن استخدامها. ما يهم هو مواكبة تمرد الأسرى بتمرد أشمل، وعندئذ سيبدع الشعب أشكال النضال التي تلائمه. لقد تمرد الشبان من قبل وما يزالون عبر أعمال فردية (الطعن والدهس وإطلاق النار) ولم يتواكب تمردهم بتمرد القوى والمنظمات والاتحادات الذي كان في حال حدوثه سيدمجهم بالنضال ويفجر طاقاتهم وطاقات جيل بأكمله في عملية التحرر من الاحتلال.

من يدقق في مواقف وبرامج دعم الأسرى سيجد انها لا تزال تراوح في طور رفع العتب، وتتكرر الاساليب النمطية كالخطابة والمهام العامة، كيوم غضب، وزيارات رفع عتب لخيم الأسرى في مراكز المدن، ومسيرات نحو حواجز الاحتلال، والصلاة في الساحات العامة. وقليلة هي المبادرات الفردية التي تتحول الى فعل جماعي كالمقاطعة التي يمكن تفعيلها، وصندوق دعم الأسرى في المؤسسات وإطلاق طائرات ورقية، وتقديم وجبات الملح والماء في المطاعم وتحويل ريعها لصندوق الأسرى، وإشعال الشموع ليلا. لا يزال حضور المستوى الفني والثقافي شبه غائب، ولم يفتح القانونيون معركة الدفاع عن حقوق الأسرى إلا المجموعة التي تحاول دخول السجون وتُصَد من قبل المحتلين. لا يزال نشطاء الفيس بوك وبخاصة الذين يحصدون الإعجابات بالجملة غاطسين في همومهم ولا مكان للأسرى في حيزهم الرحب وفي تعابيرهم الرشيقة، باستثناء البعض. في كل مرة يدخل الناس في حوار يستخرجون مهمات جديدة. ما يهم وضع قضية الأسرى التي هي قضية رفض التعايش مع الاحتلال ورفض الانتظار والخداع على الجدول الخاص والعام وعندئذ ستذلل كل الصعاب.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]