ليس من الواضح بعد فيما إذا كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي يلتقي نظيره الروسي لافروف في موسكو اليوم، سيلتقي، أيضاً، في إطار هذه الزيارة بالرئيس الروسي بوتين. الخارجية الروسية تشير إلى أن ليس هناك موعد محدد في أجندة الزيارة، بينما أشارت مصادر إعلامية روسية، إلى أن هذا اللقاء سيتم حتماً، نتيجة لاعتبارات عديدة، إضافة إلى الاعتبار البروتوكولي، إذ إنه لم تكن هناك أية سابقة، بعدم لقاء وزير الخارجية الأميركي الزائر لموسكو بالرئيس الروسي. هذه الضبابية رغم شكليتها ربما تشير بوضوح إلى أن تخوم العلاقات الروسية ـ الأميركية لا تزال بحاجة إلى بعض الوقت للتعرف عليها، بعد أن تبددت العديد من التفاهمات الأولية التي جرت أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية في الأيام الأولى لوصول ترامب إلى البيت الأبيض.

تصريحات تيلرسون، تستقي مضمونها من تصريحات الرئيس ترامب، مرتبكة وغامضة ومتناقضة، قبل أيام اختلف بشكل سافر مع مندوبة الولايات المتحدة نيكي هالي حول الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد، عندما قال وحتى بعد الضربة الصاروخية التي وجهتها أميركا إلى مطار الشعيرات، إن القضاء على الإرهاب وفي المقدمة داعش، هي المهمة الأساسية والجوهرية للسياسة الأميركية الراهنة، فيما صرحت هالي، وفي نفس الوقت أن إزاحة الأسد باتت المهمة الأولى لواشنطن في الوقت الراهن!

هذا التضارب، وهو لم يستمر طويلاً على أية حال، كان وراء وزراء خارجية الدول السبع الذين اجتمعوا في إيطاليا، يطالبون وزير الخارجية الأميركي بتحديد موقف واضح إزاء بشار الأسد، ومعروف أن هؤلاء جميعاً، مع تفاوت محدود في الصياغات، متفقون على أن مهمة التحالف الغربي العامل في الساحة السورية، وبالتعاون مع بلدان عربية خليجية، تنحصر بدرجة رئيسة في إزاحة الأسد قبل معالجة أي ملف آخر، بما في ذلك ملف الإرهاب، ولأن تيلرسون يريد أن يصل إلى موسكو للاجتماع مع وزير الخارجية الروسي لافروف، فهو بحاجة إلى أن يكون أكثر قوة ومسنوداً بإجماع غربي، لذلك، عاد تيلرسون عن تصريحه المشار إليه، نزولاً عند ضغوط الدول الست الأخرى، مشيراً إلى أن «الأسد لن يبقى طويلاً وليس له دور في مستقبل سورية» وهي صياغة تفي بالغرض، لأن إمكانية تفسيرها تظل مرنة وواسعة على أية حال!

التراجع الغامض، توازى مع رفض الدول الست الموافقة على الموقف الأميركي المتعلق بفرض عقوبات جديدة على روسيا وسورية، أصرت عليها إدارة ترامب قبيل لقاء وزير خارجية روسيا وأميركا اليوم في موسكو، تبرز هنا وبوضوح، أن المصالح الاقتصادية تلعب دوراً جوهرياً في اتخاذ المواقف السياسية، إذ أن معظم هذه الدول ترتبط بمصالح اقتصادية هامة، خاصة في مجال الطاقة والغاز الروسي تحديداً مع الاتحاد الروسي، وفي حال فرض عقوبات إضافية، فإن مصالحها ستتضرر بينما لا تتضرر المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة!

وأثناء انعقاد «قمة السبع» في إيطاليا، كان الرئيس الروسي يجتمع مع الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا، في المؤتمر الصحافي إثر الاجتماع، اشار الثاني إلى العلاقات الاقتصادية والثقافية التي تربط بين موسكو وروما، فإضافة إلى الاستثمارات الإيطالية، واعتماد إيطاليا على الغاز الروسي بواقع 40 بالمئة من احتياجاتها، إلاّ أن روسيا تساعد في ترميم الآثار الرومانية التي تصدّعت بفعل الزلازل السابقة، ومن المعروف أن هذه الآثار تعتبر جوهر الاقتصاد السياحي لإيطاليا، وتشير إلى ذلك لتأكيد متجدد على أن المواقف تتخذ لاعتبارات المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى! ولم تكن هناك أية مفاجأة، في استضافة قمة مجموعة السبع الصناعية، لخمس دول هي تركيا والإمارات والسعودية والأردن وقطر، أثناء بحث المسألة السورية، ذلك أن التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، يعتمد اعتماداً كبيراً على هذه الدول في تمويل هذا التحالف من جهة، وخلق بؤر عاملة على الساحة السورية تحت مسميات عديدة، أدوات لاستنزاف الشعب السوري والعمل على إدامة الحرب على الدولة السورية وشعبها، وهنا لا نتحدث عن تنسيق بين مختلف الأطراف، ذلك أن الدول الكبرى المجتمعة في إيطاليا هي التي تضع المحددات والشروط والمطالب لإدامة هذا الاستنزاف ووضع العراقيل أمام أية تسوية سياسية قادمة لوقف نزيف الدم السوري! 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]