مما لاشك فيه ان الأجهزة الذكية أصبحت اليوم جزءا أساسيا ومهما في حياتنا، حيث يستطيع الفرد من خلالها التعرف على الاخرين والتواصل مع الناس عن طريق برامج الكترونية متطورة الى جانب متابعة ما يحصل في العالم من حوله ومن ايجابياتها انها ساهمت أيضا في تقوية العلاقات البشرية، وقربت الأشخاص من بعضهم البعض.

من ناحية أخرى وبمعزل عن الإيجابيات التي تم ذكرها سابقا، فإن عدد من المختصين في الشؤون التربوية وغيرها قد اجمعوا على ان هذه الأجهزة من شأنها ان تؤثر سلبيا على لغة التواصل والحوار، وبالرغم من استمرار افراد المجتمع في التحدث والتواصل من خلال هذه الأجهزة الا ان الحوار المباشر والتواصل القوي بين الافراد اصبح ضعيفا، كما ان هذه الأجهزة وسهولة وجودها بأيدي الجيل الصغير وطلاب المدارس، وضعت حدودا لصقل وبناء شخصية الطالب وتفكيره وساهمت في التأثير عليه سلبيا من نواحي عدة، اللغة، طريقة الحوار، وسببت ضعفا معينا لدى الطالب في مجالات مختلفة.

وبما يتعلق بالمجتمع فإن هذه الأجهزة أصبحت تلازم بعض الافراد في كل مناسبة مما أدى الى انعدام التواصل الحقيقي والسليم بين الافراد في المناسبات بسبب انشغال كل شخص بالنظر والتمعن بجهازه الذي يحمله بحوزته معظم الوقت، كما أشار مختصون ل"بكرا"

رندة عبد الهادي: افرطنا في استعمال الأجهزة الذكية حتى أصبحت تعابيرنا الكلامية تفتقر الى عمق المعنى وجوهره

رندة عبد الهادي مستشارة تربوية ومرشدة لوائية في موضوع الاحتواء- لواء الشمال عقبت في هذا السياق لـ"بكرا" قائلة: للأسف فأن استعمال الأجهزة الذكية يؤثر سلبا على الحياة الاجتماعية وعلى العلاقات بين الأولاد في المدرسة وحتى بين الطلاب وبين من هم اكبر منهم سنا، حيث ان الطلاب اليوم يفتقدون الى مهارات أساسية في التواصل الاجتماعي، فمجرد جلوسهم لساعات طويلة امام هذه الأجهزة يؤدي الى فقدانهم مهارات أساسية في التواصل الاجتماعي وحتى فأنه يفقدهم اكتساب لغة الجسد، حتى ان اللغة العربية لديهم أصبحت ضعيفة جدا وغير غنية والسبب في ذلك هو اندماجهم وانخراطهم الغير محدود بكل ما يتعلق بالاجهزة الذكية.

وتابعت عبد الهادي لـ"بكرا": المجتمع مكون من عدة حلقات والأولاد هم جزء من المجتمع وغير منفصل عنه وما نراه لدى الطلاب في المدرسة يعكس ما هو موجود حقيقة في المجتمع، أي نفس الظواهر الموجودة لدى أولادنا نراها أيضا في المجتمع حيث اننا نرى في الاجتماعات او الجلسات التي يشارك بها اشخاص بالغين بأن كل شخص يحمل بين يديه جهاز معين ويعمل به، لا يوجد ترابط اجتماعي او شعور حميمي في المكان، كل شخص مشغول بعالمه وجهازه الخاص، حتى في المناسبات المختلفة الحزينة والسعيدة الناس تكون مشغولة بهذه الأجهزة كما ان الناس أصبحت لا تميز متى تستعمل هذه الأجهزة ومتى تضعها جانبا، ووصلت بنا الحال الى استعمال هذه الأجهزة حتى في بيوت الاجر، وانا لا استغرب ذلك لان ما اواجهه مع الطلاب في المدرسة هو انعكاس لما يحصل في بيوتهم.

واسهبت موضحة: هذه الظاهرة موجودة في كل المجتمعات ولكن حدة الظاهرة تختلف من مجتمع لاخر، انا لا أقول بان الظاهرة هي ظاهرة مجتمعية، لأننا نجد ان حدة الظاهرة في مجتمعات أخرى تفوق حدة الضائقة في مجتمعنا او ممكن ان تكون اقل لذلك فأرى ان الامر ليس ظاهرة مجتمعية انما ممكن صقله في البيت، فمثلا على صعيد شخصي لدي شاب وفتاة وهم جزء من المجتمع وارى لديهم هذه الظاهرة ومن واجبي كأم ان اسيطر على هذه الظاهرة واعمل على صقل شخصية اولادي بالطريقة الصحيحة، فمثلا اتفقت مؤخرا انا وابنتي ابنة العشرة سنوات سويا، على فترة زمنية يسمح لها فيها استعمال الأجهزة الذكية، وذلك عن طريق شحنه بشكل كامل في بداية الاسبوع وتستمر باستعماله طيلة أيام الأسبوع دون شحنه مرة أخرى ولها حرية الاختيار متى تستعمله ولكن شريطة ان لا تشحن الجهاز مرة أخرى، هنالك عدة طرق للحد من استعمال الأجهزة الذكية بينما الطريقة الأكثر نجاعة هي الطريقة التي يتم خلالها الاتفاق مع الولد على حدود معينة وليس فرض طريقة معينة عليه.

وأكدت قائلة: هنا تكمن مسؤولية الاهل للالتفات الى ما تسببه هذه الأجهزة من تأثيرات على العلاقات الاجتماعية وعلى الأبناء داخل الاسرة فهي تسبب الغربة والعزلة والقلق النفسي والتوتر السلوكي، كما ان استعمالها المفرط يؤدي الى غباء اجتماعي، لذلك هنالك ضرورة الالتفات الى أهمية التواصل والحوار الاسري، وابداء الرأي في أمور عائلية ومجتمعية، وللأسف فأن الناس باتت اليوم تفرط في استعمال الرسائل النصية المكتوبة مستغنية بذلك عن التواصل الكلامي المباشر حتى أصبحت تعابيرنا الكلامية تفتقر الى عمق المعنى وجوهره.

وأضافت قائلة: اعتقد ان هنالك أهالي يتبعون نفس الطريقة ويتعاملون مع أبنائهم بشكل حذر ولا يفرضون عليهم الأمور، اعتقد اننا نعيش في مجتمع يعي تماما ما نمر به كما ان الاهل جميعهم يستطيعون ملئ الثغرات الموجودة عن طريق الوعي والإرادة، إضافة الى ان المدارس اليوم تقوم بمحاضرات توعوية للاهل وورشاد ارشاد حول الموضوع، وانا انصح الاهل بالتواجد في هذه المحاضرات والاطر وذلك ينبع من رغبة الاهل وايمانهم بان هذه الظاهرة غير صحيحة ويجب ان نغيرها، لانها تعود فقط بالسلبيات على الاهل والأولاد وبالتالي المجتمع، وبالارادة ممكن ان نغير ولا يوجد هناك مستحيل حيث ان من حولنا هناك الكثير من الأطر الداعمة والبرامج التوعوية.

ايمان ريناوي: الأجهزة الذكية تسهل علينا الانفتاح على البيئة المحيطة شريطة استعمالها بالشكل الصحيح

وحدثت ايمان ريناوي- مرة اخصائية سايكودراما مراسلة "بكرا" قائلة: نقرأ اليوم ونشاهد العديد من المقالات والفيديوهات التي تشير الى تحول الانسان الى ما يشبه الآلة بسبب تعلقنا الملحوظ بالاجهزة الذكية والشاشات.

وتابعت: انا ارى ان وجود الهواتف الذكيه والشاشات هو اختيار شخصي، حيث ان امكانيات استعماله عديده، وواسعة، فلا يضر استعماله في العمل والمطالعة والاطلاع على كل ما هو جديد تماما مثل حرية اختيارنا التدخين وهنا يوجد شبه قريب جدا حيث ان استعمال الأجهزة الذكية بشكل مستمر ودون حدود ممكن ان يؤدي الى الإدمان مثل الدخين تماما.

وحذرت قائلة: الاهل مسؤولون عن كمية استعمال هذه الاجهزة والوتيرة وخصيصا للاطفال والمراهقين، فكيف نمنع أولادنا من التدخين او استعمال الكحول علينا أيضا ان نمنعهم من استعمال هذه الأجهزة بشكل مبالغ فيه القرار بالنهاية يعود للاهل، أحيانا بما يتعلق بالتربية فعليهم ان يكونوا صارمين وان لا يخضعوا لبكاء الطفل او غضب المراهق لانه قرار تربوي يتعلق بمستقبل الطفل، ومن الأفضل أحيانا والمستحب ان يتم ابعاد الطفل عن هذه الأجهزة والحرص على تواجده في العالم الحقيقي بعيدا عن الأمور السلبية الموجودة في عالم البالغين والتي تعمل أحيانا هذه الأجهزة على كشفها امام الطفل. كما ان استعمال الأجهزة المستمر والمفرط يؤدي الى ضعف الليونة واللياقة البدنية لدى الطفل ويضع حدود لافكاره وتطلعاته.

ونوهت: من ناحية أخرى فان الأجهزة الذكية مهمه جدا في الزمن الذي وصلناه ويكون من الصعوبة الاستغناء عنها أحيانا، لانها تتميز بخصائص تسهل علينا الانفتاح على البيئة المحيطة من ناحية والتواصل معها من ناحية أخرى خاصة بما يتعلق بمجال التجارة او العلاقات العامة او إدارة الاعمال طبعا شريطة ان يتم استعمالها بالشكل الصحيح.

اما عن الحلول فأقترحت ريناوي قائلة: ممكن الاستعانة باشخاص مختصين وتنظيم جلسات ارشادية للاهل حول كيفية التعامل مع الاولاد والحد من استعمال الأجهزة الذكية عن طريق وسائل ناجعة ترسخ التواصل ويكون ذلك أيضا عن طريق مشاركة الأولاد في القرار والحل، وبالطبع فانه في هذه الحالة على الاهل ان يكونوا قدوة امام أبنائهم حتى يتمثل الأولاد بهم لذلك عليهم الحد من استعمال الأجهزة الذكية، والتوجه الى المؤسسات التربوية والاستعانة بالمستشارات والمختصين امر ضروري أيضا، كل هذه الأمور ومن خلال التعاون المشترك بين الأطراف المختلفة ممكن ان نصل الى توازن باستعمال الأجهزة وبالتالي الى مجتمع سليم.

نسيم عيد: يفضل التخفيف من استعمال الأجهزة الذكية حرصا على سلامة الفرد

نسيم عيد مختص وخبير في مجال الاشعة الكهرومغناطيسية حدث "بكرا" عن تأثير الأجهزة الذكية على الانسان من الناحية الجسدية حيث قال: تأثير الأجهزة الذكية يتفاوت بين الأشخاص حيث ان الشركات التي تبيع هذه الأجهزة تؤكد بانه لا يوجد أي مشكلة باستعماله بل على العكس فأن الاشعة التي تصدر من هذه الأجهزة غير مضرة ومنتشرة في كل مكان في حين ان منظمة الصحة العالمية تؤكد انها قامت بفحوصات وابحاث وأيضا النتائج لم تكن قاطعة بان الاشعة التي تصدر من الأجهزة الذكية ممكن ان تؤدي الى مرض، الأبحاث لم تنف ولم تؤكد ذلك، ولكنني اعتقد انه في السنوات القادمة سيكون هنالك جواب قاطع، علما ان الاعراض الأساسية التي يتحدثون عنها انه عندما يتحدث الشخص بالهاتف الخليوي فان الخلايا الدماغية لديه تسخن وترتفع حرارتها.

كما تطرق الى الجانب الإنساني حيث قال: قبل عشرون عاما لم يكن هنالك هواتف خليوية وأجهزة ذكية وكانت الناس تتواصل بصعوبة بينما اليوم هنالك تواصل بين الافراد ومما لا شك فيه ان الأجهزة الذكية تركت اثر عميق جدا على الشخص وعلى حياته اليومية وحسب رأيي اثر إيجابي، ولكن بنفس الوقت لم تعد الخصوصية التي كانت سابقا وهو امر سيء.

وقدم عيد نصائح بالتعامل مع الأجهزة الذكية حيث للتخفيف من تأثيرها حيث قال: يفضل عند استعمال الهاتف الخليوي مثلا ان يتم ابعاده عن الاذن او استعمال سماعة وابعاد الجهاز عنه ويمكن أيضا استعمال سماعات هوائية للاذن وليس كهربائية، واوصي أيضا بابعاد الهاتف عن الاذن خلال الثواني الأولى من الاتصال، كما انه من المفضل عدم الحديث في الهاتف داخل أماكن مغلقة بدون ارسال لانه تكون كمية الاشعة التي ترسلها الهواتف مضاعفة اكثر للحصول على ارسال. كما ان الحاسبو النقال ومشتقاته فيه ارسال عن طريق اشعة وليس من المحبذ استعماله لوقت طويل او وضعه على الجسم .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]