بعد عدة جلساتٍ ونقاشاتٍ طويلة امتدت لعدة سنوات، اقرّت لجنة القضاء والدستور في الكنيست قبل أسبوع ما يسمى مشروع قانون "الإرهاب"، مع ملائمته وتكييفه لمكافحة ما تسميه دولة إسرائيل " إرهابًا فلسطينيًا".

وهذا القانون الذي يأتي ضمن سلسلة قوانين عنصرية سنتها الحكومات الإسرائيلية المتتالية، له عدة أبعاد، تهدف التضيق على المواطنين العرب في إسرائيل، والفلسطينيين عامة.

ويجدر التنويه، أنه تم إقرار القانون في لجنة الدستور، لكنه لاقى (165) اعتراضًا، مع ذلك، لجنة الدستور في الكنيست رفضت كل الاعتراضات وتعمل على تجهيزه لعرضه على الكنيست للتصويت على القراءة الثانية والثالثة.

المحامي عوني بنا: قانون خطير لا يمت بصلة لحقوق الإنسان..

" هنالك في الحكومة من ادعى ان اقتراح القانون هذا جاء ليستبدل مجموعة قوانين قديمة، ومنها قوانين وأنظمة الطوارئ الانتدابية وقانون حظر تمويل الارهاب، بقانون "معاصر" وشامل ومتوازن. ولكن النتيجة هي اقتراح قانون خطير لا يمت بصلة لحقوق الانسان ولمبادئ الإجراءات والمحاكمات العادلة ويوفر للحكومة كل الوسائل القانونية لتعريف أي نشاط سياسي غير مرغوب فيه كنشاط إرهابي ولاتخاذ كل ما يلزم لحظره"- هذا ما صرح به المحامي عوني بنّا المتخصص بقضايا حقوق الإنسان، حول الاقتراح وتداعياته، في حديثٍ خاص معه.

وحول صلاحيات القانون، قال المحامي بنّا: " الصلاحيات التي يشملها القانون ومنها ما يتعلق بالاعتقال الإداري والاعلان عن تنظيمات كتنظيمات إرهابية ومصادرة ممتلكات واموال وإصدار اوامر بالإبعاد او بتقييد حرية الحركة والتنقل وغيرها تمنح الحكومة مرجعية قانونية شبه مطلقة في اتخاذ إجراءات قاسية جدا ضد كل شخص او هيئة يدخل نشاطهم ضمن دائرة تعريف الإرهاب الواسعة بموجب القانون.

تعريف الإرهاب حسب القانون الجديد

وفيما يتعلق بتعريف الإرهاب، حسب القانون، أكد المحامي بنّا، أن القانون الجديد لا يشمل توصيفا دقيقا ومفصلا للأعمال والانشطة الارهابية وللتنظيمات الارهابية، ولا يطلب ان تكون اهداف التنظيم وطرق عمله العادية ارهابية كي يتم الاعلان عنه كتنظيم ارهابي، بل انه يكتفي بتعريفات فضفاضة ومبهمة ممكن لها ان تطال اي انسان واي تنظيم يقوم باي نشاط سياسي لا ينسجم مع سياسات الحكومة. فحتى الاعمال التي لا تشكل خطورة جدية ومباشرة على المدنيبن وعلى "امن الدولة" مصنفة في القانون ضمن تعريف الارهاب وضمن الصلاحيات التي يمنحها القانون لمحاربة الارهاب.

وتجدر الاشارة هنا الى ان اغلب قوانين محاربة الارهاب في العالم تشمل تفصيلا دقيقا للأعمال التي تعتبر ارهابية والتي في الغالب تتلاءم مع تعريف الارهاب في المعاهدات الدولية من عمليات تفجير وقتل او خطف لمدنيين او لطائرات وما الى ذلك. وحتى ان بعض القوانين المتقدمة تستثني من تعريف الارهاب الانشطة والعمليات التي تتم في مناطق نزاعات يحكمها القانون الدولي.

وتابع المحامي بنّا: "من نافل القول ان قوانين الارهاب الاسرائيلية لا تميز بين الاعمال التي يجيزها القانون الدولي ضمن خانة مقاومة الاحتلال وبين اي عمل آخر، وبالتالي فان النقاش حول الاشكاليات القانونية لاقتراح القانون الجديد لا يعبر في اي حال من الاحوال عن موقفنا من تعريف الارهاب من وجهة النظر الاسرائيلية حتى لو تخطى القانون جميع الاشكاليات القانونية المشار اليها هنا.
وبالتفاصيل وعلى سبيل المثال فان القانون الجديد يعتبر اي تنظيم يعمل بموجب القانون ولا يعتبر نشاطه العادي نشاطا ارهابيا، يعتبره تنظيما ارهابيا ان عبر عن تعاطفه او دعمه، ولو لمرة واحدة، لتنظيم تم الاعلان عنه رسميا كتنظيم ارهابي.

تهمة الانتماء لتنظيم إرهابي.. من الممكن أن تطال أي شخص!

وتابع المُحامي بنّا: كذلك الامر بالنسبة لتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي والتي ممكن ان تطال اي شخص عبر بطريقة او بأخرى فقط عن رغبته بالانتماء الى تنظيم معلن عنه رسميا كتنظيم ارهابي وذلك حتى لو لم يقم باي فعل او اي نشاط ضمن هذا التنظيم. كذلك ايضا فان القانون يعتبر من كان منتميا بالماضي لتنظيم تم الاعلان عنه كتنظيم ارهابي، يعتبره عضوا في هذا التنظيم في الحاضر ايضا وذلك ما لم يثبت هو ايقاف عضويته في هذا التنظيم، وفي الكثير من الاحيان يعد اثبات ذلك ضربا في المستحيل.

مصادرة الأملاك، بحجة انتمائها لتنظيم إرهابي!

ويُؤكد المحامي عوني بنّا، أنه بالإضافة الى كل ذلك فان القانون الجديد يوسع دائرة الاملاك والممتلكات التي يمكن مصادرتها ضمن اجراءات ادارية بحجة كونها املاك وممتلكات تنتمي الى تنظيم ارهابي او تساعد على عمليات ارهابية، حتى لو كانت تستعمل لأهداف انسانية او اجتماعية وحتى في حال عدم وجود علاقة مباشرة بين هذه الاملاك وبين تنفيذ اي عمل معرف كإرهابي حسب القانون.

و فيما يتعلق بالصلاحيات، فان اقتراح القانون أبقى على كل الصلاحيات والممارسات التعسفية المستمدة من القوانين التي جاء ليستبدلها ومن ضمنها الاعتقالات والاجراءات الادارية. وليس هذا فقط بل انه منح صبغة قانونية لبعض الممارسات التي كانت وما زالت متبعة من الناحية العملية دون ان تكون مفصلة رسميا في القانون، وعلى رأسها مبدأ الاستناد الى مواد وادلة سرية في كل الإجراءات المتعلقة بالأمن او بمحاربة ما يعتبر ارهابا بموجب القانون الاسرائيلي.

اقتراح القانون الجديد يمس بحقوق الإنسان

وأكد المُحامي بنّا في حديثه: أن خطورة الامر تكمن في أن اقتراح القانون الجديد يجيز المس بحقوق الانسان بالاستناد الى مواد سرية ليس فقط ضمن حالة الطوارئ وضمن قوانين الطوارئ بل أيضا ضمن القوانين العادية "المعاصرة" وفي الحالات والازمنة العادية.

وتجدر الاشارة هنا الى ان حكومة اسرائيل كانت تدعي دائما ان الاستناد الى مواد سرية هو امر جائز ومطلوب في ظل حالة الطوارئ الاستثنائية والصلاحيات الاستثنائية التي تمنحها أنظمة وقوانين الطوارئ، ولكن ها هي الان تشرعن في القانون العادي هذا الاستناد الجارف على مواد سرية لفرض تقييدات خطيرة على الحريات والحقوق الأساسية. هذا الامر يؤكد على صحة ما كنا ندعيه دائما امام المحكمة العليا بان حالة الطوارئ ما هي سوى ذريعة لاتخاذ إجراءات وعقوبات قاسية لمحاربة أي توجه او نشاط سياسي وايديولوجي مغاير ومناهض للاحتلال والعنصرية وللسياسات التي تخدمهم.

وقال إن، اقتراح القانون لا يجيز ما هو متبع اليوم من استعمال واسع للمواد السرية فحسب بل انه يوسع دائرة هذا الاستعمال لتشمل إجراءات إضافية ومنها كل مراحل إجراءات الإعلان عن تنظيم معين كتنظيم إرهابي والاجراءات الادارية المتعلقة بمصادرة املاك وممتلكات واعتقالات ادارية.

القانون الجديد يمنح صلاحيات أوسع للمحاكم!

وأشار المحامي بنّا في حديثه، صحيح أن القانون الجديد يمنح صلاحيات أوسع للمحاكم للاطلاع على المواد السرية وللمصادقة على إجراءات وقرارات تتخذ استنادا على هذه المواد ضد الافراد والمنظمات بحجة محاربة الإرهاب، وذلك للإيهام بوجود توازنات وكوابح قانونية. ولكن هذا الامر مضحك ومبك في آن، حيث لا يمكن للمحاكم الإسرائيلية ان تقوم بدور محامي الدفاع عن المواطنين العرب في السياق "الأمني" على وجه الخصوص. وذلك ان هذه المحاكم تتعامل مع أي مادة امنية سرية على انها بقرة مقدسة لا يجب التشكيك بمصداقيتها.

وتابع المحامي بنّا في حديثه، أن منح الشرعية القانونية للاستناد الى مواد سرية في الإجراءات والمحاكمات من خلال قانون عادي "ومعاصر" هو بحد ذاته انتهاكا خطيرا للحق في محاكمة عادلة، والتي تقوم على مبدأ كشف كل التفاصيل والأدلة التي يستند اليها اي اتهام واي اجراء يحد من الحريات ويفرض تقييدات وعقوبات. من دون كشف هذه المواد لا يستطيع اي انسان الدفع ببراءته امام المحكمة. من البديهي القول بان السرية التامة في السياق الأمني تعطي الحكومة حرية مطلقة في تلفيق التهم وفبركة الأدلة ضد أي انسان او تنظيم لا يروق نشاطه او فكره السياسي، او حتى عمله الإنساني، للحكومة ولأذرعها العسكرية.

واختتم المحامي عوني بنّا حديثه، أنه بالإضافة الى كل ما ذكر اعلاه فان القانون الجديد يشتمل على انتهاكات سافرة لحقوق المتهمين بالإرهاب ومن ضمن تلك الانتهاكات حرمان المتهمين من الحق في الالتقاء بمحاميه لفترات متواصلة وكذلك تمديد فترات الاعتقال بغياب المتهمين وغير ذلك الكثير.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]