كانت بداية العام 2011 استمرارًا أوسع وأشد للمواجهات التي بدأت في تونس بين قوات الأمن التابعة لنظام للرئيس زين العابدين بن علي والمنتفضين، وسميت بثورة الياسمين، وكان أبرز عناوينها الشهيد محمود بوعزيزي الذي أشعل النار في جسمه في سيدي بوزيد لتتأجج حذوة الاحتجاجات وانتهت في أواسط يناير كانون الثاني بسقوط النظام وهرب الرئيس وحاشيته وزبانيته إلى السعودية، وصولاً إلى إجراء انتخابات تشريعية قبل نهاية العام، أدت إلى تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزن النهضة الإسلامي.

وبعد أسبوع من فرار بن علي اندلعت ثورة الملايين في مصر، في الخامس والعشرين من يناير، انتهت في الحادي عشر من شباط فبراير بتنحي الرئيس حسني مبارك، وسقوطه وتوقيفه هو وولداه علاء وجمال، ورموز وأقطاب النظام، لتبدأ مرحلة معقدة من التحولات السياسية باتجاه الديمقراطية والتعددية، شهدت جملة من الإنجازات التي تمثلت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وفي الشروع بمسار الانتخابات التشريعية (التي انجزت منها مرحلتان) وسط حضور قوي وفاعل للتياريْن الإسلاميين الأبرز: حزب الحرية والعدالة (وعماده الاخوان المسلمون) وحزب النور السلفي، على أن تجري انتخابات رئاسة الجمهورية في أواخر يونيو حزيران أو مطلع تموز يوليو المقبلين. وفي هذه الأثناء تتواصل المواجهات والجدل بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبين مختلف الفعاليات السياسية والائتلافات الثورية، حول ممارساته ورؤيته للحاضر وللمستقبل.

سقوط القذافي ونظامه
وبعد مرور أقل من أسبوع على تنحّي مبارك انطلقت شرارة الثورة في ليبيا، في السابع عشر من شباط فبراير، ضد العقيد معمر القذافي ونظامه الاستبدادي – بدءًا من بنغازي شرقي البلاد، التي تشكّل فيها مجلس انتقالي برئاسة مصطفى عبد الجليل لإدارة شؤون البلاد، ثم أخذت المواجهة بين النظام والثوار منحىً حاسمًا، بتدخّل طيران الحلف الأطلسي لصالح الثوار (بغطاء من الجامعة العربية) فتراخت سيطرة القذافي وكتائبه على البلاد، وبدأت المدن والمناطق تتحرر تدريجيًا، إلى أنّ دخل الثوار العاصمة طرابلس في أغسطس آب، وفرّ القذافي وأبناؤه وأركان نظامه من المدينة، ليديروا آخر معركة لهم انتهت في اكتوبر تشرين الأول بمقتل القذافي وابنه المعتصم وسقوط آخر المعاقل، مثل سرت وبن وليد وسبها، وفرار سيف الإسلام، الذي ألقي القبض عليه في نوفمبر تشرين الثاني قرب الحدود مع النيجر.

سوريا واليمن
وقبل مرور شهر على اندلاع الثورة في ليبيا، انطلقت شرارة الثورة في سوريا من درعا في الجنوب، في أواسط آذار مارس، لتنتشر في مختلف مدن وأرياف الجمهورية، مناديةً في البداية بإصلاح النظام، سلميًا، لكنها قوبلت بقمع أمني رهيب، تفاقم واشتد ليوقع حتى الآن أكثر من خمسة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمشردين، ولم تقتنع الجماهير ولا قيادات المعارضة بطروحات نظام بشار الأسد للإصلاح وإطلاق المزيد من الحريات، بينما ترسخت القناعة لدى المنتفضين والقيادات أنّ النظام يلجإ إلى المراوغة وكسب الوقت أملاً منه في النجاح بقمع وإخماد الثورة، التي تتسع قاعدة التأييد لها عربيًا ودوليًا، ما عدا روسيا والصين وإيران ومن يدور في فلكها، ولم تنفع ولم تشفع للشعب السوري حتى الآن وساطة جامعة الدول العربية بقراراتها ومراقبيها، فيما يصبو قادة المعارضة السورية إلى تصعيد الدور الدولي للضغط باتجاه إسقاط النظام – وشلال الدّمّ يتدفق.

وفي هذه الأثناء استمرت الأحداث وتطورت على الساحة اليمنية التي بدأ الحراك الشعبي فيها قبل تونس ومصر وليبيا وسوريا، حيث واجه نظام علي عبد الله صالح جبهة عريضة تطالب بإسقاطه، مكونة من شباب الثورة ووحدات عسكرية مناصرة وحامية لهم، ومن قبل وأحزاب واظبت اسبوعيًا على تنظيم مظاهرات واعتصامات اتخذت منعطفًا حادًا بعد محاولة اغتيال الرئيس صالح الذي مارس المراوغة والمناورة في قبول المبادرة الخليجية للتنحي وإجراء الانتخابات، إلى أن أعلن رسميًا عن القبول بها، موقعًا على البنود التي بدأ تنفيذها بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، برئاسة محمد سالم باسندوة، بانتظار إجراء الانتخابات قريبًا في غياب الرئيس المتنحي صالح الذي أعلن عن نيته مغادرة البلاد، لاستكمال العلاج في الولايات المتحدة – على الأرجح.

وفي خضم هذه الأحداث حصلت الثائرة اليمنية توكّل كرمان، وهي من أبرز قيادات شباب الثورة – على جائزة نوبل للسلام، بالشراكة مع سيدتين من ليبيريا، وذلك تقديرًا لنشاطها السلمي في مواجهة القمع السلطوي، وفي رفع وحماية مكانة المرأة العربية والمسلمة، عمومًا – واليمنية بشكلٍ خاص.

ثورة البحرين لم تخمد رغم القمع
لم يستثنِ "تسونامي" الثورات والانتفاضات العربية دول الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية – حيثُ اندلعت في مطلع العام انتفاضة عارمة في مملكة البحرين، طالبت بإصلاحات سياسية جذرية، وإطلاق حريات عامة، واجهها النظام بالقمع الدموي، متذرعًا أنّ دوافعها طائفية وفئوية وعقائدية، محاولاً إقناع الرأي العام أنّ الشيعة وإيران هم الذين يؤججون المظاهرات والاعتصامات، الأمر الذي جعله يستعين بغطاء خليجي بزعامة المملكة السعودية، لقمع الانتفاضة ونشر قوات "درع الخليج" في العاصمة "المنامة" ومدن ومناطق أخرى من المملكة الصغيرة، وعلى الرغم من مزاعم النظام باستقرار الأوضاع إلاّ أنّ قادة الانتفاضة، وغالبيتهم من الشيعة فعلاً مدعومين بفئات ومجموعات معارضة سنيّة – يواصلون تنظيم المظاهرات والاحتجاجات، لكن بزخم أخفّ من السابق، مستقوين بتقارير دولية تؤكد لجوء النظام إلى العنف والقمع لإخماد الانتفاضة.

وفي مملكة عمان غير البعيدة عن البحرين، اندلعت اضطرابات واحتجاجات محدودة، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى، مطالبة النظام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وسرعان ما استجاب الملك قابوس لبعض المطالب، وخاصة الاقتصادية، فاستتب الأمن والاستقرار – ولو مؤقتًا.

وكما جرى في البحرين – جرى في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في المناطق الشرقية ذات الوجود السكاني الشيعي الكثيف، حيثُ خرجت مظاهرات محدودة، على مدى أيام، جوبهت بقمع وتضييق رهيبين من شرطة الأسرة الحاكمة، وسقط عدد محدود من القتلى، وهنا أيضًا تمحورت المطالب حول شعارات المساواة (بين الشيعة والسّنّة) في كافة الميادين، وتشعّبت لتشمل أحيانًا شعارات "مخنوقة" تطالب بإسقاط النظام، وبالإصلاحات الجذرية، وتمكنت السلطات من احتواء الانتفاضة، ولو مؤقتًا، بتوزيع منح وهبات مالية على المواطنين زادت عن ثلاثين مليار دولار.

وبين هذا وذاك، "تقود" المملكة السعودية المأزومة، جهدًا عربيًا، ينافس جهد أمارة قطر، لإنهاء الأزمة السورية المستعصية، ووجدت المملكة "ما يكفي من الوقت والجهد" لإحلال "الاستقرار في البحرين، ولعلّ ما هو قادم من أحداث وتطورات في مصر وليبيا وتونس، وربما الأردن، سيكشف المزيد من الدور السعودي (والقطري والخليجي عمومًا) للحدّ من مسلسل الانهيارات في النظام العربي الرسمي.

الأردن والجزائر والمغرب
في الوقت الذي كان فيه العنف سيّد الموقف في الدول العربية التي شهدت وما زالت تشهد ثورات وانتفاضات – فإنّ الحراك الداعي إلى الإصلاح وإشاعة الحريات في دول أخرى مثل الأردن والمغرب والجزائر، بقي محدودًا نسبيًا، دون زوال المطالب، وبموازاته تحرّكت الأنظمة في هذه الدول، لاحتواء الموقف، فعمد ملك الأردن، عبد الله الثاني، إلى تشكيل حكومة جديدة، برئاسة معين الخصاونة، واعدًا بالمزيد من الإصلاحات الدستورية والحريات العامة، فخفّت حدة المظاهرات والاحتجاجات. وأعلن في المملكة المغربية عن صياغة دستور جديد حظي بموافقة غالبية المواطنين، متضمنًا حيزًا غير مسبوق من الحريات السياسية، ومعزّزًا بالانتخابات التشريعية التي أعقبته، والتي أسفرت عن تشكيل حكومة ائتلافيّة يقف على رأسها أبرز القادة الإسلاميين، عبد الله بن كيران، الذي يُبدي تفاؤلاً بمستقبل المملكة، من منطلقين اثنين: الأول هو حيازته صلاحيات دستورية واسعة، والثاني هو ضمّ المغرب إلى منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، الواعدة بدعم اقتصادي منتظم وسخيّ (وكذا الحال بالنسبة للملكة الأردنية).

في الاضطراب والمظاهرات، على خلفيات معيشية تطورت إلى مطالب سياسية – فقد بادر نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إصلاحات ما زالت مطروحة للنقاش والحسم فيها من قِبل مختلف الأحزاب والأطر السياسية، مما أشاعَ استقرارًا نسبيًا بانتظار المستجدات.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]